يتفق علماء البيئة والمناخ على أن كوكبنا الأرضي الذي هو أنسب بيئة عرفها البشر حتى الآن للعيش فيها، لن يكون بمقدورها أن تبقى البيئة التي أتاحت للإنسان العيش فيها كل هذه السنين، إذا ما استمر التلوث البيئي والتدمير لمكونات البيئة الأرضية بنفس المستوى والوتيرة التي يجري عليها في الوقت الحاضر، وقد يجبرنا هذا الحدور البيئي والتغيير المناخي، إذا ما أبقيناه على مساره التدهوري، على تغيير نمط حياتنا التي جبلنا عليها كبشر منذ الآف السنين. ولكن هناك من العلماء والباحثين في علوم الأرض والأحياء من يرون أننا كبشر لا نزال في استطاعتنا إنقاذ كوكبنا عبر التوقف عن الأفعال التي أسهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في ما تعانيه مختلف بقاع الأرض من تقطيع وتجريف وتلويث. ومن الخطوات التي يمكن القيام بها وهو رفع اليد عن تدمير ما بقي لنا مما شيدته لنا أمنا الطبيعة عبر ملايين السنين. ومن الأمثلة على ذلك شجرة المنجروف، أو كما نسميها في الخليج «القرم» والتي يُعتقد أنها من أقدم شجيرات الأرض، هذه الشجرة الفريدة من نوعها التي عقدت صلحاً مع الماء المالح، وميزت نفسها عن بقية الشجر، هي الوحيدة التي ترعرعت على شطآن البحار وصمدت أمام أمواجه المالحة، وغرست جذورها في طينته المشبعة بطبقات الفسفور المتكدس في جوفها منذ نشأتها الأولى. غاباتها ملاذ ومأوى وحاضنة، فمن بين جذوعها، وتحت ظلال أغصانها كان يتسلل 35 نوعا من الكائنات البحرية، حيث المأوى الآمن لتناسلهم وتكاثرهم، مانحين الإنسان طعامًا لا ينضب . فكان كلما حل القحط، وتوقفت الأرض عن إخراج ما في باطنها من طعام، والتصقت بطون الفقراء بظورهم، فكان البحر هو المنقذ، فبجوار غابات القرم كان الكادح يجذ قوت يومه من خيرات البحر، فلا يبيت وأحشاء أطفاله تتمزق من قلة الزاد .لقد كان البحر قريباً، وما عليه إلا أن يرمي شباكه في مياهه، فيأتيه رزقه. أما اليوم فسواحلنا القريبة أصبحت بعيدة خاوية على عروشها، لا تعرفنا ولا نعرفها. كانت ضفتا الخليج في يوم من الأيام تحتضن واحدة من كبرى غابات المنجروف في العالم، ولكن بعد التجريف الجائر الذي لحق بسواحلنا لم يبق منها إلا الأطلال، يزورها محبو الطبيعة أصحاب الضمائر الحية، الذين يناضلون للحفاظ على البيئة البحرية، ووقف العبث المجنون بها، كما فعلت الدكتورة نجوى بخاري رئيسة جمعية المؤيدين والمتطوعين للبيئة، حينما قامت مع 13 ناشطا وناشطة قبل أسابيع بتنظيف ما تبقى من غابة القرم على ساحل سيهات، باعثة برسالة لكل من بيدهم القرار، ويهمهم مستقبل البلاد بضرورة الحفاظ عليها، وحماية ال 10 ٪ الباقية من القتل المتعمد، ومن كل ما يهدد بقاءها وتدميرها كما دُمرت 90 ٪، وذلك عبر تحويلها إلى محمية يمنع التعدي عليها وتجريفها و العبث بها.