في الأسبوع الأول من مارس سنوياً نكون على موعد مع معرض الرياض الدولي للكتاب، هذا المعرض الذي يؤدي رسالة ثقافية قوية في الداخل والخارج، لا نختلف على أهميته، ولا نختلف على الدور الذي يقوم به تجاه أدبنا وثقافتنا وحضارتنا، ولن نختلف على أن معرض الكتاب من أهم المعارض الدولية في منطقة الشرق الأوسط، كل ذلك جميل ورائع ومطلب حضاري، ومفخرة نعتز بها لما يقدمه من خدمات جليلة للمؤلفين والكتَّاب والمبدعين، ولو لم يفعل سوى تقديمهم للقراء بشكل يليق بهم لكفى، فنحن ممتنون لهذا الفعل الثقافي الرائع الذي ننتظره كل عام برغبة وشوق عارم للجديد من الكتب، التي أصبح وجود المعرض محرضاً على صدورها، يوم الافتتاح كان بصحبتي الزميل محمد هاشم عضو جمعية حقوق الإنسان، قابلت عبدالله الكناني نائب مدير المعرض في مدخل استراحة الوزير، تبدو على وجهه آثار التعب، فغفرت له ما كان في النفس من عتب، واستأذنت للسلام على معالي الوزير الذي استقبلنا كعادته بحفاوة وترحيب. نتفق في أمور ونختلف في أمور أخرى حول المعرض بدءاً بالتنظيم، واللجان العاملة وتقديم البرامج الثقافية المصاحبة والدولة الضيف وما تقدمه لزوار المعرض، وما يقدمه المعرض للتعريف بنا عند الدولة الضيف، هذا العام 2013م كانت المغرب أول دولة عربية تحل ضيفاً على معرض الرياض الدولي للكتاب، وكل هذا يحتاج إلى توصيف قد أصيب فيه وقد أخطئ، ولكنني سأحاول قدر الإمكان تحري الدقة فيما أكتبه عن مشاهداتي وانطباعاتي. أول هذه الانطباعات الجميلة هي احتواء رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحساسهم بالشراكة الفعلية في تثقيف العامة، والدور الكبير الذي يقدمه معرض الكتاب، بدا ذلك واضحاً من خلال استضافتهم للأدباء والمثقفين في ركن الهيئة الذي تم إعداده بصورة جميلة ومعبرة ومدهشة أسهمت في إعطاء المتلقي صورة مغايرة عن تلك الصورة النمطية التي رسخت في الأذهان منذ زمن عن دور الهيئة، واللافت جداً أن هناك فرقاً شاسعاً بين أداء الهيئة هذا العام وأدائها في أول معرض للكتاب أشرفت عليه وزارة الثقافة والإعلام، كما أن تحييد المحتسبين وعدم منحهم مظلة يروجون من خلالها لأجندتهم جعلهم في معزل عن الدور الحقيقي الذي يقوم به المنظمون بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة لحفظ الأمن والأمان والمحافظة على الانسيابية اليومية لزوار المعرض التي تمت بشكل واعٍ وفاعل وراقٍ. وكيل الوزارة للشؤون الثقافية المشرف العام صديقي الدكتور ناصر الحجيلان، ذكر لي أنهم يحاولون عدم تكرار الضيوف، وعندما وصلت لفندق (مداريم كراون) رأيت الوجوه، الوجوه نفسها، وقرأت الأسماء، الأسماء نفسها، ولم أجد فرقاً كبيراً بين ضيوف هذا العام والأعوام السابقة، فقلت إنه ليس بحاجة إلى مبررات فهذا الأمر طبيعي جداً، فمن الصعب أن تكون كل الأسماء جديدة، ومن المستحيل ألا يُدعى جميع المثقفين وذوي الرأي والفكر لحضور المعرض والفعاليات المصاحبة، تلك الفعاليات التي جاءت متميزة هذا العام، فالبرنامج كان قوياً وفاعلاً ومتنوعاً بدءاً بشعاره (الحوار.. ثقافة وسلوك) مروراً بأطروحاته وانتهاءً بأسماء المشاركين فيه، كانت اللجنة الثقافية حريصة على التنوع في اختيار الفعاليات، وإعطاء الشباب فرصة كبيرة للمساهمة والمشاركة بكل ما يخدم قضاياهم الأدبية والفكرية، وتكريم النساء الفاعلات في المجتمع السعودي ثقافياً واجتماعياً يعد خطوة رائدة وراقية للاعتراف بدور المرأة الثقافي والاجتماعي خلال مسيرة التنمية الحضارية. في اليوم السادس كنت على موعد مع القناة الثقافية في لقاء سريع استضافني فيه مقدم الفترة المسائية مفرح الشقيقي، ثم اتجهت لمنصات التوقيع بصحبة الصديق الأديب فالح العنزي المدير الإداري بنادي الرياض الأدبي، وتحدثت مع المشرف على منصات التوقيع محمد العجمي، فذكر أن هذا العام سيتم توقيع أكثر من مائتي كتاب جديد لزوار المعرض، وهذا رقم كبير ومشجع جداً، يجعل المنافسة مستمرة بين كتَّابنا وأدبائنا كل عام. وللأندية الأدبية دور فاعل على منصات التوقيع من خلال إصداراتها، فقد حصلت على مجموعتين شعريتين بتوقيع شاعريهما: (الوعد منطفئاً) للشاعر عبدالصمد الحكمي، و(أرح جوادك) للشاعر علي الأمير. وحرصت على كتابين آخرين مهمين، هما: رواية (مجاعة) للروائي الشاب جابر مدخلي، التي أعدها من أفضل الروايات العربية التي صدرت هذا العام، وكانت كبيرة الحظ بحضور سمو الأمير فيصل بن عبدالله وزير التربية والتعليم، وحصوله على أول نسخة من الرواية ممهورة بتوقيع الكاتب، وكتاب (شاعر الجبل) رسالة ماجستير عن زميلي علي آل عمر بتوقيع القاصة شيمة الشمري الذي يعد إضافة كبيرة للمكتبة العربية، لما تتميز به الدراسة من جدة الطرح، وقوة الأداء والبذل والعطاء بحثاً في شاعريته رحمه الله. كثيرة هي الانطباعات، وكثيرة هي المشاهدات الإيجابية منها والسلبية، وما يهم في هذا الجانب هو تعزيز الإيجابيات، ومحاولة علاج السلبيات حتى لا تتكرر في الأعوام القادمة، فالمعرض أحد أهم النشاطات الثقافية التي تقدمها وزارة الثقافة والإعلام، واستمراره مطلب حضاري نحرص عليه كل موسم ثقافي.