نصّهُ: «الشعريُّ» وإن تشأْ الدّقةَ في المعياريّةِ فقل: إنَّ الغالبَ مِن قصائدهِ قد افترضتْ -قبلاً- مُخاطَباً بعينهِ- تتعمّد ودّهُ وإطرابَهُ- وهذا شأنٌ هو أليق ب:«الاجتماعيِّ» مِنهُ ب:«الشاعرِ»، وهي حالةٌ مِن شأنِها أن تجعلَ مَن كان كذلك هو: أقرب للتوصيفِ ب:«الناظمِ»، إذ إبداعُ الشّعريّةِ إنّمَا يتوكّدُ في الضّربِ في المجهولِ، فيما يغرقُ :«نصُّ» بدر في المعلومِ ذلك الذي هو مَن يصنعُ المفردةَ الشعريةَ على لسانِ الشاعر. وللمقاربةِ.. فإنّ: «الرّاقي» حينما لا ينتظرُ أثراً لرقيتهِ يستحيلُ: «مشعوذاً». ولنا أن نستعير: «النّفري» للقولِ دون مواربةٍ بأَنّه: كلّما اغتلنا: «المخاطَب» اتسعت الشاعريّة والعكس صحيحُ بالمرّةِ. ذلك أنّ: الشّعرَ ضربٌ من التّوهمِ /الحلم/ الغيب.. في حين تبقى:«الحقيقةُ» مجهولةً إذ لا يمكنُ اكتشافُها. ومن يتوسل بنصّهِ:«مخاطَباً بعينهِ» ويفترضهُ مِن قبلِ المخاض العسرِ للتجربةِ فإنّهُ سيظلُّ في آليتهِ «اللغويّةِ» أسيرَ قاموسٍ محدودِ في الكم وخالٍ من تكثيفِ الكيف ما يجعلكَ بوصفكَ متلقياً إزاءَ شاعرٍ قد أفرغَ قاموسهَ كلّهُ ودفعةً واحدةً في قصائدَ لا يمكن أن تُعد إلا على أصابع اليد الواحدةِ، وإذ ذاك توشِكُ جزماً بأنّ قاموسه الشعريّ قد انتهى فيما مضى من قصائد بعدِّ أصابعِ اليد، في حين توالت بقيةُ قصائدهِ الأخرى منمّطةً في توليفِ المفردةِ وذاتَ صورٍ مكررةِ باهتةٍ، أو محض نظمٍ تحتاجُ إلى موسيقى -ومحمد عبده- لتبثّ الروحُ فيها ثانيةً. ولئن استعارَ: «بدرٌ» المفردةَ الفصيحةَ فأقحمها في نصّهِ فإنه لا يعدو أن يُسفر عن قارئ جيد إذ لا يفتأ بكفاءةِ مثقفٍ «اجتماعي» يُبَدْوِنُ المفردةَ ثانيةً لصالحِ نصّهِ، فيما الصورةُ الشعريّةُ تتعثرُ إذ لم تتم تبيئتِها، الأمر الذي يجعلني أؤكد أني إزاء :»ناظمٍ» غنائيٍّ مسكونٍ بالتواضعِ والنبل. وبكلٍّ فإنّ من يعرفَ نفسهُ جيداً فإنّه من المحالِ أن يكون:«شاعراً» بل لربما أنْ أذهبَ لأبعدَ من ذلك وأقول: إنّ مَن يكتشف أنه أخيراً قد عرفَ مَن يكون – ويدري ماذا يريد-؟! فليتوقف عن التَّلبُّسِ بقولِ: «الشعرِ» وليشتغل واعظاً أو إن يشأْ: «ناظماً» وليأخذ مكانَهُ في: طابور: (خلّوها)!. ذلك أنّ: «المفردةَ الشعريةَ» لا يجب أن تكونَ تعبيراً عن واقعٍ لا تشتغلُ إلا على أن تعكسِهٌ وبأمانةِ المرآة، وإنما هي تلك:«المفردة» التي تحاوِلُ» أن تكونَهُ! وأمّا في تجربةِ: «البدر» مثلاً ووفق قراءتي له فلقد ألفيتُهُ وبإسرافٍ يكتب عن:«الحبِّ» لكن لم أتمكن للحظةِ هذه مِن أن أقرأه ولو لنوبةٍ واحدةٍ وقد كتب: «الحبَّ» لا أن يكتب عنه! وتلك مشغولات: «الناظم» أو مِن عمل: «الخطيب»! ويمكنني تبعاً لذلك القول: إن الشعرَ يكاد أن يكونَ في كلّ ضروبهِ فعلاً احتجاجياً على محدوديةِ: «الإنسان»! وهذا ما لم نجده في تجربة البدر. ومن كان هذا شأنهُ فلا ريبَ أن تضمرَ التجربةُ الشعريّةُ في نصّهِ في حين يترهّلُ فيها: «النظمُ» ما يرشّحُها تالياً -أي التجربة- إلى توصيفِها ب:«الوثيقة الاجتماعية» وأحيانا ب:«التاريخية دونَ أن يكونَ لها أيُّ علاقةٍ بالشعر. ما بقي غير أن أشيد بنصّ -مسلسل توق- إذ أثبت فيه بدر اقتداره على صناعةِ النثر الفنتازي.