قبل سنوات، وربما أكثر من عَقد، كانت المكتبات السعودية شحيحةً من الكتب، وكان قسم الرقابة العربية في وزارة الإعلام حينها، قبل تغير مسماها إلى وزارة الثقافة، أنشط الأقسام عملاً، من حيث العدد والنشاط، المنتهي بمنع الكتاب الذي يأتي (بالرائحة)، وحسب النيات، فكان الإخوة الرقباء يحاسبون المؤلف على نياته، وما يقوله بين السطور. وكان دخل معارض الكتب في المملكة (التي كانت تتصدر أعلى المبيعات)، لا يزيد على 3 ملايين ريال، ربما لأنَّ سعر الكتاب في تلك الفترة كان أقل. في الألفية الثالثة، ومع دخول الإنترنت وشكوى جميع الناشرين العرب بأنَّ الإقبال على الكتاب أصبح ضعيفاً، ومعارض كتب انحسرت في عام 2012 م كان متوسط دخل بعض دور النشر لا يزيد على 15 ألف دولار، والمتابع لحركة المعارض يعرف التوتر الذي يصيب الناشر حينما يُحرَم من المشاركة في معرض الرياض الدولي، رغم حالة المنع التي كانت تصاحب المعارض السابقة. ربما بعضنا لم يكن متفائلاً بمعرض هذا العام بعد صدور الروايات الإلكترونية، والمواقع والمنتديات ووسائل الاتصال العالمية التي أصبحت من معوقات الحراك الثقافي، لكنَّ هذا المعرض غيَّر خارطة الثقافة بالنسبة لكثير من المتشائمين بسبب ضعف الحضور للفعاليات الثقافية التي تقيمها المؤسسات الثقافية، وهذا دليل على أن جيل الشباب يملكون حالة تعطُّش وشغف للكتاب الجديد، والمعرفة الجديدة، ولكنَّ تلك المؤسسات الرسمية دائماً ما تضل الطريق في إقامة فعالياتها، التي لا يحضر بعضها سوى عشرة أشخاص بما فيهم عامل النظافة في النادي. علينا استثمار هذا العُرس الثقافي الذي تميَّزت به الرياض وأصبحت مزاراً لكل مثقفي المملكة خلال شهر مارس، ويعيش سكان المنطقة حالة من الشغف والحب للمطالعة والمتابعة للكتاب، وما كان هذا كله إلا بعد أن وعى القائمون على معرض الكتاب بضرورة فسح جميع الكتب، فهي لا تحمل سوى أفكار ترفع مساحة الوعي لدى القارئ، وتعطي هامشاً أكبر لقبول الآخر، والتعايش مع التجارب الأخرى عبر الكتاب.