تتعالى الأصوات في المجالس بشكل يحسبه الكثيرون ناجماً عن مشاجرة أو خلاف، لكنه في الحقيقة سببه ضجيج لاعبي “البلوت”،هذه اللعبة التي تجر إليها الصغار والكبار من العقلاء والمرّبين وحتى المثقفين، وكثيراً ما يقتل الأخ أخاه بسببها، وقد يغمى على البعض بسبب أخطاء يرتكبها زملاؤهم في حال عدم التفاهم خلال اللعب، وقد تسببت لعبة البلوت في العديد من المشاكل الأسرية والمهنية، حيث يقضي محبوها معظم الليل في الاستراحات مع أصدقائهم، رغم أن غالبيتهم موظفون ومتزوجون، الأمر الذي خلف هدماً للروابط الأسرية صراخ وطلاق انفصلت أم سامي عن زوجها بعد أن رزقهما الله بثلاثة أطفال، وتقول “كان زوجي ورفاقه يلعبونها عندنا في المجلس، وكان حضورهم مزعجاً بسبب الصراخ والخلافات بينهم، أضف إلى ذلك انشغالي الدائم بطلباته من شاي وقهوة وعشاء، طلبت منه أكثر من مرة أن يحدد يوماً في الأسبوع يمارس فيه هذه اللعبة، وباقي الأيام يتفرغ لي ولأطفاله، إلا أنه كان يقول لي إنه لا يستطيع، ومع الوقت اشترك مع رفاقه بإيجار استراحة، ومعها بدأت معاناتي، حيث أصبح بعيداً عن المنزل وعن متطلباتنا كأسرة فقد كان في أغلب الأحيان يذهب من بعد صلاة المغرب ولا يأتي إلا في صباح اليوم التالي، طلبت من أهله أن يتدخلوا ويثنوه عن هذا الفعل، لكن دون فائدة، مما اضطرني إلى طلب الطلاق والجلوس وأطفالي في بيت أهلي”. ألفاظ قاسية كما التقت “الشرق” بعض الشباب في إحدى الاستراحات في العاصمة الرياض، رفضوا الإفصاح عن أسمائهم، مبررين وجودهم في تلك الاستراحة بأنها فرصة للالتقاء مع بعضهم، حتى” يأخذوا راحتهم”، وليقضوا وقتاً ممتعاً يتبادلون خلاله النكات و”البلايستيشن” وتحدثوا عن لعبة “البلوت”، وقالوا “إنها لعبة حماسية وتجعل الوقت يمر دون شعور، رغم أن غالبيتهم موظفون ومتزوجون، إلا أنهم اعترفوا أيضاً أنها سببت للبعض خلافات، ومنهم من هجر الاستراحة بسبب الألفاظ القاسية المستخدمة من قبلهم أثناء اللعب”. ولع باللعبة يقول فهد السليمان “لا أخفي ولعي بهذه اللعبة، التي تُعدّ مشهورة جداً في المجتمع السعودي خاصة والخليجي عامة، يجيد لعبها معظم الرجال، وهذا هو الدليل الأكبر على شهرتها واسعة النطاق والاستعمال، وصحيح أن هذه اللعبة لا تخلو من التشاحن، لكننا كشباب نجد أنفسنا محاصرين في مجتمع يحد من أماكن الترفيه بالنسبة لنا، لذلك ليس لنا ملاذ سوى الاجتماع في بيت أو استراحة. ملء فراغ ويلتقط أطراف الحديث أبو حاتم، ويقول “لا أدري من نواجه في هذه المسألة، أهلنا أم المجتمع، أم القيود التي تفرض علينا، أينما نذهب نجد المكان مخصصاً للعائلات، أما نحن كشباب فنحتاج ملء فراغنا، حيث ينتهي عملنا بعد الظهر، وبعدها لا ندري أين نذهب، فليس أمامنا سوى أن نلتقي كأصدقاء لنلعب “البلوت” أو” البلايستيشن”، والتي أعتقد أنا أفضل بكثير من التسكع بالشوارع”. السب والشتم وتقول فاطمة: “تعاني والدتي كثيراً من جراء ممارسة والدي لهذه اللعبة، ودائماً ما تحدث خلافات وشجارات بينهما، التي غالباً ما يثيرها والدي، خصوصاً عندما يعود إلى المنزل “مغلوباً ” من خلال اللعب مع أصدقائه، وحسب ما فهمت من أبي أن هذه اللعبة لا تخلو من وجود السب والشتم الذي قد يصل الحال -والعياذ بالله- ببعض الأشخاص إلى سب أبيه الذي يلعب معه، لأنه لم يحسن اللعب، كما حدّثنا عن كثير من القصص التي تدمي القلوب، وتبين سوء هذه اللعبة في فساد أخلاق الناس، بل قد يصل الحال إلى المشاجرة والمقاتلة بسبب ما يحصل فيها من غش، أو استخفاف بعضهم ببعض، أو سوء لعب وغير ذلك”. حفل اعتزال وأضافت فاطمة “قال لي أبي إنه سمع عن عدد من كبار السن، نظموا احتفالاً باعتزال لعبة البلوت، وتعاهدوا على عدم لعبها ثانية والاكتفاء بالفرجة فقط، حيث إنهم كانوا يقضون أوقاتاً طويلة في لعب البلوت تمتد من بعد صلاة العشاء حتى الفجر، وظل بعضهم يلعبها أكثر من أربعين عاماً، وقد قرأت فتوى للشيخ العلامة ابن باز يرحمه الله، في كتاب (فتاوى إسلامية)، من جمع الشيخ محمد المسند، الجزء الثاني، ص: 437.عن حكم لعب البلوت والشطرنج يقول فيها: (لا تجوز هاتان اللعبتان وما أشبههما؛ لكونهما من آلات اللهو، ولما فيهما من الصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وإضاعة الأوقات في غير حق، ولما قد تفضي إليه من الشحناء والعداء، هذا إذا كانت هذه اللعبة ليس فيها عوض.أما إن كان فيها عوض مالي، فإن التحريم يكون أشد؛ لأنها بذلك تكون من أنواع القمار الذي لا شك في تحريمه، ولا خلاف فيه).”