إلى عبده خال.. قادح الشرر…بعد فوزه ببوكر الرواية، وهذا العام تفوز »لوعة الغاوية» بجائزة وزارة الثقافة.. ما الذي قادها إلى هنا ؟ ما الذي جرى ؟ إنها الآن في الطائرة ، في الرحلة ما بين الدماموالرياض . السبب ؟ زيارة معرض الكتاب ! – اجلس يا ولد ..اهدئي يا بنت..كفاية إزعاج، الناس ينظرون إلينا خذ.. خذ هذه تفاحة، وأنتِ خذي الثانية، الحمد لله أني تركت الصغيرة في البيت عند جدتها… هكذا مضت الدقائق الأولى للرحلة . *** نادية تسأل نفسها : هل هي حقاً جادة في رغبتها ؟ هل حزمت حقائبها وغادرت بيتها لتحضر معرض الكتاب؟ لتشتري كتباً؟ هل تستحق الكتب كل هذا العناء ؟ ممّ تهرب إلى الكتب ؟ بم تغريها الكتب ؟ تفكر في أختها التي ستسكن عندها في الرياض ، تغمض عينيها وتسرح قليلاً ،تسمع أختها ترحب بها في لهفة :» زاد وزنك يا دبّة !!» هي ليست ذاهبة لحضور مهرجان تسوق ولا مباراة كرة قدم نسائية ولا رالي السيارات للسيدات ولا إلى تخفيضات معلن عنها لدى ماركة ملابس إيطالية أو فرنسية ، مسافرة فقط لأجل الكتب ! عجباً !! الكتب ؟ القراءة ؟ هل يستحق الأمركل هذا العناء وعراك الأطفال المتواصل ؟! مم تنقذ الكتب ؟ ما الإغراء الذي يوفره كتاب لسيدة ثلاثينية يتصارع خلفها ثلاثة أطفال ؟ *** تتجول في أروقة المعرض، اهتمامها يقتصر على كتب التاريخ والروايات، لا تقرأ كثيراً، بسبب انشغالها بأولادها، وزوجها، والعقد الذي ارتبطت به لتدريس مادة التاريخ في مدرسة أهلية ، لا يكفي أجرها الشهري لشراء بعض الكتب من هذا المعرض!! تمسك المجموعة الكاملة لغالب هلسا؟ تسأل عن سعرها، تعيدها إلى مكانها، ليس معها ما يكفي لشرائها ! تسأل عن كتاب مستغانمي الأخير( نسيان )، لا تعرف الدار التي طبعته . هي تحب أحلام ، وكتب أحلام، ولا تهتم بمن ينشر لها أو يوزع كتبها ، لم تتابع آخر إصداراتها، علاقتها بأحلام مستغانمي توقفت بعد فراغها من الثلاثية الشهيرة لمستغانمي ( ذاكرة الجسد ، فوضى الحواس ، عابر سرير ) بالإضافة إلى قراءة بعض مقالاتها في مجلة زهرة الخليج، التي لا تستطيع بطبيعة الحال متابعتها بصورة أسبوعية.. فهي لاهثة دائماً، لكنها تقاتل بكل ما أوتيت أن تحافظ على الجزء المخضرّ من حياتها، من مشاعرها وروحها، أن تحتفظ بشيء من كينونتها وحياتها، التي بدأت تتماثل للذبول بفعل قسوة الحياة والتزاماتها القاتلة التي لا تنتهي ولا تتوقف أبداً. قرأت قديماً رواية (الموت يمر من هنا) للكاتب السعودي عبده خال ، قرأت في صحف الطائرة خبراً عن فوز روايته الأخيرة بجائزة كبيرة، كتب عن هذا الحدث كثيرمن الكتاب والصحفيين،لا تعرف شيئاً عن البوكر البريطانية ولا العربية ! شد انتباهها أحاديث عن منع هذه الرواية وسحبها من المعرض، رغبت في شرائها. أخبروها عن موقع الناشر، اتجهت إليه، أخبرها أنها نفدت وستكون موجودة بعد ساعتين، أدخلت أطفالها إلى قسم الأطفال بالمعرض،هدأ الأطفال ، انشغلوا بالرسم وتقليب الكتب المصورة، اطمأنت إلى هدوئهم، ذاك النادر العجيب، تركتهم وخرجت لتتجول في المعرض، عيون تجوسها، نظرات تتبعها وهواتف نقالة تلوّح لها، قصدت ناشر الشرر ، زحام حول الناشر، رجال كثيرون، يتوسطون جناح الناشر.كشك صغير يكاد لا يكفي لعراك عابر بين أبنائها، نساء يقفن على بعد خطوات من موقع الناشرعلى استحياء، يردن شراء الرواية، مشهد عجيب!! تصفحت الكتب المعروضة لدى ناشرمجاور،الزحام يزداد ، الكل يسأل عن الشرر. استياء من الانتظار، فجأة تعالت أصوات صناديق كرتونية تُفتح، تدافُع وعراك، الكل يمد يده بالنقود ليحصل على نسخة، ما هذا ؟ تساءلت :هل يريدون خبزاً ؟ أصبحت النساء بعيدات عن الناشر الذي استعان بآخرين في تسليم الرواية للمشترين، لفظهن الزحام ! تبرع أحد المزاحمين لخدمة نادية وسيدتين إلى جوارها « يا جماعة افسحوا للنساء ، عيب عليكم ، خلوهم يشترون»لا أحد يستجيب، اتجه صوبهن»هاتوا نقودكم أشتري لكم «عليه ملامح الوقاروالتهذيب، أعطينه النقود ممتنات لذوقه وشهامته. بعد دقائق خرج من بين الزحام ممسكاً بثلاث نسخ ، تنحى قليلاً ، عدّل شماغه، تأمل الكتب بين يديه قليلاً، سلم السيدات نسخهن ، شكرته نادية بصوت مسموع، « جزاك الله خيراً « مشت بضع خطوات غير بعيدة عن موضع الزحام . وقفت تتصفح الكتاب المستحيل، قلبت بعض الصفحات، كرّت الصفحات سريعاً، برزت من جوف الكتاب قصاصة فيها رقم بعشر خانات..!!