القاهرة – عبد الصبور بدر العَروض هوية عربية والتخلي عنه جريمة الكتابة نوع من الشكوى وعلى المبدع أن يكون مُقنعاً الشاعر ليس واعظاً أو خطيب مسجد يؤمن الشاعر المصري يس محمد يس (41 عاماً) أنَّ المتعة في الشعر هي ما يجذب الآذان لتسمعه، كما أن الشكوى التي تلازم المبدع في نصوصه تحتاج منه أن يكون مقنعاً. قال في حواره مع «الشرق» إنَّه يصدر دواوينه على نفقته الخاصة؛ لأنَّ النشر الحكومي ليس له علاقة بالأدب! وتحدث عن وفاة عبدالناصر التي يظن أنها أحدثت تغييراً جذرياً في منظومة القيم، أثرت على الإبداع، فجعلت من يكتبون يقرأون لأنفسهم، واتهم الصحفي الأديب بابتزاز دور النشر لطباعة أعماله، وحذر من يأس يصيب المبدعين الشباب ممن يتم تجاهلهم وإقصاؤهم بشكل مستمر بفعل «شلليَّة» تهيمن على الواقع الثقافي في مصر. * «الست» هو ديوانك الثاني، بعد «خطاوينا» الذي صدر منذ خمسة أعوام.. هل تحقق أعمالك الرواج الذي تأمله؟ - طبيعتي الكسولة تحجِّم انتشاري، لكني سعيدٌ بصدى ما أكتبه على مستوى أصدقائي الأدباء ممن أجلس إليهم على المقهى!.. ولم يتجاوز «خطاوينا» حدود ندوتين لمناقشته، أُقيمت الأولى في أحد قصور الثقافة والأخيرة في المجلس الأعلى للثقافة. * وبمَ تفسِّرُ فشلي في إيجاد فكرة تربط بين نصوصك، سواءً في الديوان الأول أو الثاني؟ - ذلك لأني عندما أكتب الشعر لا تكون بداخلي أنا أيضاً فكرة معينة!.. ولكن أستطيع القول إنَّ ما يربط بين نصوصي هو أننى كاتبها. * لاحظت وجود قصيدة واحدة في «خطاوينا» مكتوبة بلهجة صعيدية هي «بنت العم»، ونفس الشيء حدث في ديوان «الست» مع قصيدة «وانت معايا»؟ - ولدت في القاهرة، إلا أنَّ جذورى الصعيدية تمتد إلى أعمالي، وقد أتقنت اللهجة من أحاديث والدتى ووالدى وعشقها، وسر تسربها إلى إبداعى أنها غنيَّة إلى أبعد مدى. * ولماذا حددت نصوصك القصيرة مساراتها في اتجاه رومانتيكي فابتعدت عن الذهنية والتأمل؟ - الشعر بالنسبة لي سواء ما أكتبه أو ما أستقبله هدفه الأول والأخير الامتاع وعندما أسمع نصًّا لا أهتم بموضوعه؛ فالموضوع في حد ذاته لاعلاقة له بعمل الشاعر الذي هو ليس واعظاً أو خطيباً لمسجد. الإمتاع يجبر المتلقى على سماعي، كما أن الكتابة نوع من الشكوى ولذلك لابد أن أكون مقنعاً. * لاحظت في كلا الديوانين أن قصائدهما قصيرة، وقصيرة جداً مع وجود نص طويل تصر على وضعه في كل عمل؟ - أميل في أعمالي إلى رسم دائرة من القصائد التليغرافية تتوسطهما قصيدة طويلة، وفي اعتقادي القصيدة الطويلة تحدث مللاً للمتلقى، ومع ذلك؛ فالشكل من حيث الطول أو القصر لا يكون في مخيلتى لحظة الكتابة، أنا ملتزم فقط بوضع إحساسى على الورق، ولا أقوم بتحديد مساحة هذا الإحساس. وقصيدة «الست» كتبتها سنة 1993، أي منذ عشرين عاماً، وادخرتها للديوان الثاني! * ألست معي أنك تغرق في الذاتية وتنفصل عن كل ما هو حولك؟ - أوقات كثيرة أشعر أنَّ العالم الذي حولي غريب، هناك «شيزوفرنيا» بين الشاعر الذي بداخلي والحياة التي حوله، لا أستطيع أن التعامل مع الناس بمنطق الشاعر وإن فعلت سيتم تحويلي إلى مستشفى الأمراض العقلية، ولهذا فأنا أرصده على الورق فقط. * شعرت وأنا أقرأ لك بأن الشخصيات التي تناجيها هي شخصيات مائية ليست مرتبطة بأسماء أو مكان أو زمن وحين أقبض عليها تتسرب فلا أجد شيئاً؟ - هذا لأني أسعى وراء فكرة وليس شخصية بعينها، وأستثنى من ذلك نص «مسكين» الذي كتبته عن شخصية بعينها، لم أحبها، وهي المرة الأولى التي أكتب فيها نصاً عن شيء لا أحبه. * هل هناك أمل في أن تتخلى عن انتقاداتك ضد قصيدة النثر؟ - لا يمكن.. أنا منحازٌ للموسيقى، تعجبنى كثير من النصوص النثرية، ولكنى لا أصنفها كقصائد؛ لأن القصيدة توصيف للشعر والنثر فن مهم ولكن في مجاله، أعترف بأن ذوقي كلاسيكيٌّ، ولكن ما الذي يعيب الناثر من الاعتراف بأن ما يكتبه نثر؟.. دعنا نحتكم للأصول، العَرُوضُ مسألة هوية عربية، والتخلي عنها جريمة. * أنت متهم بأنك تكتب لجمهور في زمن قديم؟ - جمهور الشعر الآن هو من يكتبه تقريباً، وهذا يرجع إلى تغيير القيم داخل المجتمع المصرى التى بدأت بوفاة عبدالناصر، حين تدنت الحالة الاقتصادية فانعكست على كل شيء في مصر، واختلال المنظومة القيمية وانحدارها عقب حرب أكتوبر جعل الأدب بلا قيمة وصار مجرد كماليات. اذهب إلى أكبر ندوة تنعقد في القاهرة، سواء في القصة أو في الشعر، أتحداك إن لم تجد 98% من الحضور مبدعين، والشاعر الذي يلقي قصيدته ينصرف بعدها، وهو ما يشير إلى مدلول خطير أنَّ المبدع يذهب في الغالب ليسمعه الآخرون وليس من أجل أن يستمع للآخرين. * لماذا هربت إلى دور النشر الخاصة؟ - لأنها تجيد الناحية الفنية لطباعة الديوان، ولكني أدفع لهم أموالاً في مقابل ذلك، فطريق النشر في الدولة ليس له علاقة تقريباً بالإبداع، فهيئة قصور الثقافة، أو هيئة الكتاب أكثر من 90% من إصدارتها يسيء للأدب ولا يرقى للنشر في مجلة الحائط، المسألة تعتمد على الشللية، ولا أنكر ظهور بعض المبدعين الذين نالوا حقهم من هذه الهيئات، ولكنَّ الغالبية العظمى لم تحصل على مثل هذا الحق رغم سعيهم الدؤوب، وأقلق عليهم من اليأس وأحمِّل الدولة النصيب الأكبر من إهمال المبدعين.