صاحب شركة (لونرو) إنجليزيٌّ، وملياردير في جنوب إفريقيا، يحدِّث جليسه في الطائرة ليقول: «الطائرة هذه لا تعبر بلداً إلا ورئيسه يعمل عندي!»، كانت طائرته تعبر إفريقيا.. وكتابات تتدفق أنَّه ما من مدير مخابرات في العالم الثالث إلا وهو يعمل مندوباً لمخابرات واشنطن.. وما من رئيس في العالم الثالث إلا وهو يعمل مندوباً في البيت الأبيض. و»هيكل» كتب عن رؤساء كانوا يتلقون مرتبات من كشوفات الموساد، وأحد عشر رئيساً إفريقياً يجمعهم بان كي مون في أديس أبابا لإيقاف حرب الكونغو، يجتمعون وكلهم يعرف أنَّ الحربَ لن تتوقف… اللقاء كان أول الأسبوع هذا. والحرب لن تتوقف؛ لأنَّ ثروة شرق الكونغو هي ما يدير الحرب هذه منذ الخمسينيات، ويدير حرب السودان منذ الخمسينيات، ويدير حروباً أخرى قبلَها وبعدَها برعاية رؤساء محليين ومديري مخابرات، وكل رئيس يُستهلَك يلقَى به في «الزبالة» ما بين موبوتو، وحتى فلان وفلان.. وموبوتو الذي يبدأ مشروع بيع الرؤساء حين يموت في سجنه بالجزائر (ورحم الله بوميدين الذي يعتقله ويلقي به في السجن) موبوتو يُدفَن ولا يتبعُ جنازتَه أحد. وموسيفيني الذي يلقي كابيلا، أمس الأول، في كمبالا حول حرب الكونغو يجلسان وكلاهما يعلم أنَّ الامر لا هو في أيدي هذا ولا أيدي هذا.. وأن حرب التوتسي والهوتو التي تُبيد مليونين اثنين لصالح بريطانيا وأمريكا تمتد الآن. والإنسان في العالم الثالث يكتشف متاخراً جداً أنَّ كلمة «استقلال» هي شيء ينطق بالغين وليس بالقاف! وحماية المواطنين لبلادهم تحسب المخابراتُ حسابَها.. و»كتشنر» بعد دخول الإنجليز يكتب لحكومته رسالة فيها (لا أنصح بالتبشير المسيحي في السودان الشمالي.. إنهم هنا متعصبون وخطرون جداً».. والمخابرات التي تغزو السودان منذ عام 1952م وحتي اليوم تُعيد قراءة وترجمة الرسالة هذه، وتستخدمها بأسلوب جديد في اصطياد السودان بعيداً عن طبيعته المتفجرة. وعام 1976م، مفكر سوداني يعمل في بريطانيا حين يهبط قبرص ويمشي علي الشاطىء لأسبوع؛ يجد فتاة تنتظره هناك، والفتاة تقول ضاحكةً: «إنَّ أحداً مثلك لن يظن أنَّ اللقاءَ هذا جاء صدفة»، وعلى مقاعد المطعم الفخم؛ الفتاة تسرد على السوداني تفاصيل حياته، وحتى طائرة أمس الأول التي جاءت به، الفتاة كانت تقدم نفسها، وتقدم حقيقة أنَّها من المخابرات البريطانية، وتعرض عليه التعاون. الرجل يرفض لكن ما ظلَّ يدوِّي في ذهن الرجل هو حديثها عن شخصيات وشخصيات في السودان أيام الستينيات وما بعدها كلهم يعمل في المخابرات هذه، والمثقف حين يصاب بالذعر تقول له الفتاة، مهدهدةً: إنَّ السودانَ هو أقل الدول استضافةً لمرتبات المخابرات البريطانية!. لا أحد يستطيع ذكر الأسماء، لكنَّ سرداب الحديث هذا يقود إلى الجذور الحقيقية لأحزاب وشخصيات وأحداث لا تنتهي في السودان وغير السودان، وكلها لا تفسير لها إلا بعد قراءة قائمة مرتبات المخابرات البريطانية، وإلا حقيقة الإجابه علي السؤال الذي يقول: لماذا يحاربون البشيرالآن بعنف؟