ذات مرة طلب مني مسؤول رفيع المستوى الوظيفي، ممن منّ الله عليهم بالحظ الوافر لتولي المراكز الوظيفية بالقرارات القادمة من أرض الصدفة، وجهة نظري، لربما بالخطأ، حيث نلتقي سوياً في دائرة (غير المناسب) هو لا يمثل الرجل المناسب في المكان المناسب، وأنا بطبيعة الحال المستشار غير المناسب بشهادة الجميع. المهم أنه رغب في إبداء الرأي حول بعض الإجراءات التي يرى أن القيام بها ضرورة للتطوير، في بداية اللقاء سوّق لهذه الإجراءات على أنها تنظيمية تطويرية، ودار بيننا وقتها حديث مهم عن مخالفة ما ينوي فعله لنظام العمل، وركزت في الجانب الذي يخصني في مجريات الحوار (الأصم) على أهمية الالتزام بأحكام هذا النظام وما يتبعها من لوائح، فقال لي صحيح لدينا موظفون مشمولون بنظام العمل وهم كثر، وهناك أحكام صدرت من اللجان العمالية لصالح بعضهم، لكن نحن هنا في الوزارة -والحديث لسعادته- غير ملزمين بنظام العمل، وكرر نحن هنا نتبع لنظام الخدمة المدنية، قلت له لديك آلاف من الموظفين الخاضعين لأحكامه، وهنالك توقعات بالتوسع في التوظيف تحت مظلته، ونصحته وقتها بأن يُعيد النظر في ما ينوي القيام به لأن فيه مصادرة لحقوق ثابتة، وأشرت عليه بأن يكف عن المجاهرة في الاختراق، واستفهم مني بحدة، فقلت له النظام متوّج بتوقيع ولي الأمر، وتبريد لوائحه أو تجاهل نصوصه من عوامل التشجيع على مخالفة نظام يهم شريحة كبيرة من العاملين سعوديين وغير سعوديين، وفي ما تهدف إليه إضرار بالمصلحة العامة وتعدٍّ على حقوق الناس، أصرّ على موقفه وفعل فعلته. وأدركت في الأخير أنه ينظر إلى هذا النظام بدونية مبنية على جهل، حيث يعدّه مخصصاً لشؤون القطاع الخاص، ولربما أنه لا يثق في جدية وزارة العمل في متابعة إنفاذ أحكام نظام هي المسؤولة المباشرة عن حمايته، المهم أنه نفذ ما نوى وكسب تأييد صاحب الصلاحية عن حسن نية، وسلم خلفه في موقعه الوظيفي ملفاً أسود متورماً. استحضرت هذه الصورة وأنا غارق في تأمل رد سعادة المستشار والمتحدث الرسمي باسم وزارة العمل الأستاذ القدير حطاب العنزي، على مقالي المنشور هنا في تاريخ 15-1-2013 بعنوان (لماذا صمتت وزارة العمل؟)، المقال في الأصل إلحاقي لعدة مقالات عن وزارة العمل التي أتمنى لها النجاح ولا أريد لنظامها أن يمتهن وتنتهك أحكامه تحت ستار ابتعادها عن التفتيش على سلامة تطبيقه واكتفائها بمراقبة الصراع الطويل بين أطرافه في مجالس هيئات تسوية الخلافات العمالية المُرهقة بارتفاع أعداد القضايا ومحدودية ناظريها، المعادلة المؤدية إلى طول أمد فترات التقاضي، المنتهية بالتضييق على الطرف الضعيف (العامل). يقول الأستاذ حطاب (المستشار والمشرف العام على إدارة العلاقات العامة والإعلام والمتحدث باسم وزارة العمل)، في صحيفة «الشرق» في 15-2-2013 ما نصه: «تؤكد الوزارة أن اعتماد لوائح العمل أو تعديلها لا يخل بالحقوق المكتسبة للعاملين بموجب نظام العمل أو لوائحه التنفيذية أو ما نصت عليه عقود العمل، وقد درجت الوزارة على تضمين قرارات اعتماد لوائح نظام العمل أو تعديلها مادة تنص على –لا يمس هذا القرار بما قد يكون للعاملين من حقوق مكتسبة للعاملين بموجب نظام العمل أو لوائحه التنفيذية– فإذا كان هناك خطأ في التطبيق أو مشاحة على ماهية الحقوق المكتسبة فإن مرد ذلك لهيئات تسويات الخلافات العمالية التي تفصل في الموضوع إذا تمت إقامة دعوى بشأنه». رد المتحدث الرسمي بمثابة وثيقة حقوقية من مصدر مسؤول، ومن المنطق أن لا يتم التعامل معه في إطار المثل الشعبي (قال جاك الخير قال ما عندنا ماعون). وعلاوة على ذلك، فإن في مضمونه ما يفتح شهية الأسئلة التي تحصرها مساحة المقال في الآتي: هل نسّقت الوزارة مع نفسها وقامت بالتأكيد الدوري على الجهات الحكومية ذات الصلة للتقيد بنصوص نظام العمل ولوائحه التنفيذية؟ هل يوجد لوزارة العمل دور مؤيد بالأدلة الحية لتوعية العُمال بحقوقهم؟ هل تدرك أنه في ظل تقاعسها عن متابعة سلامة تطبيق النظام يبرز مشروع التعسف الذي سيعصف مستقبلاً باستراتيجية توطين الوظائف؟ وفي الختام، سؤال قديم يتجدد. على غرار الأسباب العشرة المؤدية للوفاة، ما الأسباب العشرة المؤدية لتنامي القضايا العمالية؟ ودمتم ودام الأمن الوظيفي رفيقاً دائماً للعمال الكرام.