تربت في بيت جدها وجدتها لتعلقها بهما منذ الصغر، وما إن توفيا حتى عادت إلى منزل والديها، إلا أنها لم تجد منهما غير المعاملة السيئة على حد قولها، فوالدتها تفرق بينها وبين شقيقاتها، ووالدها يناديها بألفاظ بذيئة، حتى باتت لا تشعر بالراحة مع عائلتها، فما كان منها إلا أن بحثت عن تعويض لهذا الحنان عن طريق محادثتها الشباب وارتكابها المعاصي. ألمُ التفرقة التقتها «الشرق» وتحتفظ باسمها، فتحدثت بقلب ملؤه الألم، وقالت «لا يذنب الإنسان إلا لسبب أجبره»، ومنذ ولدت وأنا أعاني من شح حنان والدي، تذوقت ألم التفرقة بيني وبين أخواتي، ولكني عزوت ذلك بداية لابتعادي عنهن فترة، وعيشي في منزل جدي، ولكني صُدمت منهن، من حيث المعاملة أو حتى تحمل مسؤوليتي، فقد تخرجت من الثانوية والتحقت بالجامعة، وفي كل مرة يوصلني والدي يُسمعني أقسى الكلمات، يجرحني بلا مبرر، فلا أصل إلا وقد أغرقت غطاء وجهي بالدموع، إلا أني صمدت وأكملت والأمل يحدوني لقادم أفضل». لم أجد وظيفة وأضافت «بعد أن تخرجت في الجامعة لم أجد وظيفة، وقد رفض والدي كثيراً ممن تقدموا لخطبتي، حيث كان يخطط لتزويجي لأحدهم، إلا أن هذا الشخص لم يلتفت لي، وسمعنا بخبر زواجه، لأبقى أنا أمام عذابي مع أهلي، وبعد ذلك وقعت في علاقات عديدة مع شباب، بحثاً عن الحب والاستقرار، وكنت أبكي كثيراً وأشكو للشباب همومي بسبب أبي وأمي، ولم أكن أستطيع الحديث وبث همومي إلى إحدى أخواتي، فقد كن يذعن أسراري، حيث زرع والدي في قلوبهن كرهاً تجاهي لا أعلم سببه، ودائماً يخذلنني، فلا أسمع منهن غير الهمز واللمز والضحكات ونظرات الاستهزاء بحضرة والدي»، وتستدرك «لا أتخيل أن هناك والداً في مثل قسوته، لدرجة أنه يخبئ الطعام عني ليعطيه أخواتي!». ألفاظ بذيئة وبعد آهة طويلة تكمل «لم أسمع اسمي على لسان والدي منذ فترة طويلة، فهو دائماً ما يناديني بألفاظ بذيئة، يهتز منها عرش الرحمن، وكثيرون من نساء ورجال العائلة ناصحوه ولكن بلا جدوى، ولم يقتصر الأمر على ذلك، فأنا أفتقد جميع مقومات الراحة النفسية بين أهلي وأشعر بالوحدة والضياع، فالناس في المصائب والشدائد يلجؤون بعد الله للأهل، وأنا ألجأ للغريب! وأرى أخواتي مدللات لا يردّ لهن طلب، بينما لا أجد أنا غير الصراخ في وجهي، والمنع دون أسباب». وتقول «أصبحت شخصيتي مهزوزة وشقيقاتي الأصغر مني استقوين علي، حتى أني أصبحت أخشى الاحتكاك بهن، وأمي وأبي دائماً يقفان في صفهن حتى وإن كن على خطأ، لدرجة أني أحضر القرآن بين يدي وأحلف ودموعي تسبق كلامي، وأصر عليهن بالحلف إن كن على صواب، إلا أنّ والدي يصدقهن ويجعلني مخطئة، ظناً منه أني مجنونة تريد أن يعيرها أحدهم عطفاً، لأحمل نفسي بعد ذلك وأسجد بين يدي الله وأدعوه بالنصر والفرج القريب». أدمنت الأغاني وتضيف «نسيت صلاتي مدة ثلاثة أيام وأدمنت سماع الأغاني، وذلك بعد أن زارني بصيص أمل وتقدم لخطبتي شاب، فقلت إن الفرج قد أتى، ولكنه (رد من حيث أتى)، فقد رفضه والدي كالمعتاد، وحين أخبرت أهلي عن رغبتي في الزواج، أنكروا علي ذلك، وقالوا إني جريئة ولم يعد بي ذرة حياء، فعدت لمحادثة الشباب، حتى ردني الله للصواب رداً جميلاً، ففي حين كنت أقلب في القنوات الفضائية بحثاً عن أغنية، مررت بإذاعة القرآن الكريم، فاستوقفتني الآية {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}، فأحسست بالخوف، وشعرت أني ممن قُصدوا في هذه الآية، وعدت لأرتمي بين يدي الله أدعوه وأرجو غفرانه». عدتُ لصوابي وأضافت «عدت منذ ذلك اليوم لصوابي، وصبرت على أذى أهلي، علّ الله يجعل لي مخرجاً، وجُل ما أتمناه أن يأخذ الناس بيد المخطئ لبر الأمان، وأن يدلوه على طريق الصواب بدلاً من السخرية عليه، أو الابتعاد عنه، فالله أعلم بما قاده إلى ارتكاب الذنوب، فلنحتوي المذنب لنعرف أسباب غلطه، ليشعر بالأمان قبل فوات الأوان، فالمسلمون إخوة، وأحمد الله أن هداني، وواثقة أن رحمته بي واسعة».