عندما تقع أحداث مهمة في أي مكان ينصرف الباحثون إلى التحليل والتعليق والدراسة ويفزعون إلى التاريخ لاستخلاص العبر وعقد المقارنات، وعادة ما تلجأ الفئات المنهزمة إلى الأمجاد القديمة والتغني بها في محاولة للتعويض عن ضعف الحاضر، غير أن هناك من يتخذ أسلوبا آخر من الماضي هو التنبؤ، فما إن يحدث حدث ما يسيرا كان أو جللا حتى تجد من ينقب في التاريخ ليقول إن فلانا قد تنبأ بذلك ويحاول أن يطيل الخيوط القصيرة حتى يربطها بحبال الحاضر، فعندما فجرت القاعدة برجي التجارة العالمي في نيويورك عام 2001 قال بعض الكتاب إن الشاعر أبا تمام قد تنبأ بذلك في بيته الشهير: رمى الله بك برجيها فهدمها ولو رمى بك غير الله لم يصب كما اشتهر في تلك الفترة كتاب تنبؤات نوستراداموس وهو فرنسي عاش في القرن السادس عشر وألف رباعيات غامضة ضمنها تنبؤات عما سيحدث في العالم من بعده، وقد قام الكثير بعد أحداث سبتمبر والتغييرات التي حدثت في العالم باستحضار نصوص داموس وإسقاطها على الأحداث ثم هدأت الأمور، وهذا العام مع أحداث الثورات العربية أعيد استحضاره مرة أخرى وبدأ استغلال نصوصه من مختلف التيارات فهناك من ذكر أن داموس تنبأ بالربيع العربي وقدوم وقت يسود فيه المسلمون العالم ويسيطرون على المناطق المحيطة بأوروبا وفي التيار المقابل ذكر أحدهم أنه تَنَبَّأ بزوال التيار الإسلامي بعد طغيانه وصار في تلك الطروحات نوع من التشابه وكلها مستمدة من رباعيات داموس، فالكلام نفسه الذي اختلف أن ماقاله المسيحيون عن سيادة المسيحية بعد معركة هرمجدون تغير إلى سيادة الإسلام بعد الربيع العربي انطلاقا من النصوص نفسها، والغريب أنه بعد أكثر من قرنين من النهضة الإسلامية بالعودة إلى المنابع الأصيلة والدعوة لإعلاء العقل وانتشار الوعي مازال التعلق بالخرافة منتشرا، وأصدق تعليق ساخر يتداوله الشباب أن كل واحد فينا إذا حدث أمر يقول: “سبحان الله كنت حاسًا” فيظهر أن حس التنبؤ في جيناتنا دون الحاجة إلى نوستراداموس.