تسللت أشعة الشمس بهدوء من بين الأعمدة الخرسانية لتداعب وجه أبوياسر حجازي وتجبره على إغماض عينيه لثانية واحده، قبل أن يبدأ من جديد في متابعة حركة العمال، الذين لا ينقطعون عن الذهاب والإياب، فوق أرضه التي ستتحول إلى بيت طال انتظاره عما قريب. «منذ سنوات وأنا أنتظر بناء هذا المنزل، ولولا أن أسعار مواد البناء انخفضت وخاصة الحديد والإسمنت لما أقدمت على هذه الخطوة»، بهذه الكلمات بدأ أبوياسر كلامه مع «الشرق» عن نجاحه في البدء أخيراً في بناء منزله، الذي اضطر لتأخير بنائه لسبع سنوات كاملة بسبب منع الاحتلال إدخال مواد البناء للقطاع، وارتفاع أسعارها بشكل جنوني أصاب قطاع البناء بما يشبه الشلل. ويضيف أبوياسر: «اشترىت المستلزمات كافة التي يحتاجها بناء البيت ووضعتها في مخزن تخوفاً من أي طارئ يعيق عملية البناء، أو يرفع الأسعار من جديد، فأنا لا أستطيع أن أمنع نفسي من الخوف». «أبوجمعة» المقاول الذي يشرف على بناء البيت قاطع أبوياسر مبتسماً: «لا تخَف، غزة غرقانة في الإسمنت والحديد والحصمة، والمواد التي لا تدخل من المعبر بندخلها في الأنفاق». ويكمل أبوجمعة ل»الشرق»: «الحمد لله أن الحركة العمرانية عادت لغزة بشكل كبير، وأوجدت فرص عمل لكثير من عمال البناء، الذين بقوا لسنوات طويلة شبه عاطلين عن العمل». على بُعد أقل من مائة متر من منزل أبوياسر كانت عمارتان سكنيتان أوشكتا على الانتهاء، وبدأ أصحابهما في وضع الإعلانات لجذب المشترين والمستأجرين، إلا أن هذه الكمية المعروضة مازالت وفق أسامة كحيل رئيس اتحاد المقاولين الفلسطينيين، لا تغطي احتياجات السوق من الوحدات السكنية، خاصة وأن إسرائيل دمّرت خلال الحربين الأخرين عدداً كبيراً منها. وقال كحيل ل«الشرق» إن: «الثورة العمرانية في غزة تأتي في سياقين؛ الأول المشاريع التي تنفذها السعودية والإمارات وغيرها من الدول في ملف إعمار غزة، بالتزامن مع التسهيلات في إدخال مواد البناء، من الجانب المصري والإسرائيلي، إضافة إلى أن الأنفاق تعمل بكامل قوتها». وأضاف: «السياق الثاني يتمركز في رغبة الغزيين في البناء خاصة وأن الأسعار مناسبة لهم، مقارنة مع أولى سنوات الحصار». لكن أحمد رفيق الذي يمتلك مكتباًَ للتسويق العقاري، يرى أن هذه الزيادة في أعداد العقارات والشقق المعروضة للبيع لا تعني أبداً وجود ارتفاع في عدد العقارات المبيعة، ورأى أن الأزمات المالية المتتالية التي مرّ بها أغلبية الغزيين تركتهم دون مدخرات أو خائفين من أنفاقها بسبب اضطراب الوضع السياسي في ظل الانقسام وإمكانية حدوث حرب أخرى. ويضيف: «أسعار الشقق مازالت كما هي قبل حل مشكلة مواد البناء، وبالتالي هي تساوي أربعة أضعاف السعر الحقيقي لها، وهو ما يجعل المباني تزداد والمعروض يزداد دون أن يجد ما يشتريه». عامل ينقل حديد البناء من آثار الحركة العمرانية الراهنة (الشرق) عمال في موقع بناء جديد