الجهل بالغير مدعاة صعوبة فهمه، ولا يمكن إلغاء وجوده إلا في الأوهام والأحكام المسبقة، وبسؤال أنفسنا هل أراد الله هذا الكوكب الأرضي شريحة واحدة تتولى أمره بمفردها وتصوغ نماذج ومشروعات حياته؟ سنخرج باحتمالات عدة فالأرض للإنسان، والإنسان ذكر وأنثى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) ليتفرع من هذين الأصلين شعوب وقبائل بمِلل ونِحل شتى كل منها يرى ما عداه آخر، وتتجلى أهمية الآخر في حياة الإنسان باعتباره المقابل إزاء ردود أفعالنا المنبعثة من نجاحاتنا أو إخفاقنا وصحتنا أو مرضنا وسعادتنا وتعاستنا، ويربط علماء النفس والاجتماع بين ما يعيشه فرد أو جماعة من فشل وتخلف وبين صناعتهم للأعداء وافتعال الخصومة معهم ليكونوا مشاجب لتبرير كل قصور ونكوص في الفكر والسلوك والتنمية، وبتأمل واقعنا البشري سنرى بوضوح أن معظم المتأزمين مع الآخر وقضاياه وحضوره يعانون في الغالب من حالة فشل ما في السلوك أو العاطفة أو المنجز ما يصعّد من حدة الاحتكاكات واختلال العلاقات وبروز التمايز الشيطاني (أنا خير منه). ويتلازم معيار تحضر المجتمعات عبر التاريخ في ذهني باحترامها للمرأة، والإيمان بفاعليتها في واقع الحياة بل وتلازم التقاطعات القيمية والأخلاقية بين الجنسين دون اختباء وراء سوء الظنون التي يصعب فك مغاليقها واختراق تعقيداتها، ولم أستسغ استصغار البعض أو احتقار أو تجريم هذا المخلوق (الإنساني) الكريم من خلال فهم مغلوط لنص مقدّس، أو عبر اجتهاد مرجوح صادر عن ذاكرة متأزمة، لتغدو كل خطيئة عند بعضنا نتاج حبكة من (سيدة خطيئة أولى)، ويبدو كل حرمان لها أو انتقاص لحقها (مشرعن) كونه تكفير بنات كل عصر عن ما يظنه البعض جرم أولى الأمهات، وليس من البساطة بمكان تفكيك هذه المعتقدات المترسّخة بجلافة عبر قرون كان المجتمع الذكوري مضرب مثل في التردي والانحلال والضعف ما ألهمه أن يحيل كل أزماته على شريكه وآخره (الأنثى) متخلياً عن كل ضابط إنساني في تقييم الخلل وموضعة أسبابه والتحاكم إلى منطق الأشياء دون إقحام لما يظنه البعض عدالة السماء. ولا أُبالغ إن قلتُ أن القرويين والبدو طيلة أعوام خلت، كانوا أكثر الناس إدراكاً لمفهوم شراكة الأنثى للذكر، إذ كانت سيدة الإنتاجية الحيوية الفاعلة حتى في مهام اعتاد الذكران القيام بها مزرعة ومرعى وعمل منزل وتسويق بضائع واستقبال ضيف وتجهيز وليمة وسرد حكاية وابتداع شعر ومسامرة أهل وجماعة، ولا أجد تبريراً منطقياً لتحول هذه البيئات إلى مناوأة حواء وعزلها وتعويرها وافتعال الخصومات معها تحت مظلة عفافها تجاهلاً لكل السياقات والأنساق الطبيعية السوية سوى إخفاقات آدم، لتظل العلامة الفارقة لصحة علاقة الرجل بالمرأة عندي (كن سويا ترَ سواك سويا).