كان شعلة نشاط لا تنطفئ، شارك في كل الثورات العربية فاعلا أو صحفيا يغطي أحداثها، كان حماسه يتقد وهو يقول لي إن الحرية على بعد خطوات، وكانت حياته تتلخص في كلمة واحدة.. «الثورة». الآن هو يائس بشكل واضح، لا يريد التفكير بما حدث بعد الثورات ولا يريد النقاش حتى في الأمر، فقد الأمل باختصار عندما رأى الانتهازيين يصعدون، والساسة يتكايدون، والفوضى تعم، والمتاجرة بالدين لتحقيق المكاسب تصبح لغة العصر. لم يصدق عينيه وهو يرى «الحكومات المنتخبة» تقمع ناخبيها، والثوار الحالمون يحطمون مؤسسات دولهم، ورموز الأنظمة القديمة تعود لتطل في زحام الرؤوس، بل وتجد أنصاراً لها. أظن أني أتفق معه قليلا، فثورات الربيع العربي تقتل كل ما قامت من أجله، الحرية تنتهك، الكرامة تهان، العدالة لا مكان لها، الديمقراطية أصبحت إسفافا، والمنظرون -وأنا أحدهم- كُثُر. هل هي فترات انتقالية؟ معظم الثورات تبعتها الفوضى، نعم صحيح، لكن هل هذا قدرنا؟ هل لا بد أن تنتشر الفوضى ليأتي بعدها الاستقرار؟ صدقا لا أدري، ولا هو يدري. لكننا معاً نعرف أمراً واحداً بالتأكيد، ما يحدث ينبئ بزلزال مقبل، ودول الربيع العربي لم تشهد أسوأ أوقاتها بعد، بل أمامها ما هو أسوأ. يبدو أن هناك من يجري التجارب على الشعوب العربية، إن دعمنا التيار الإسلامي ماذا سيحدث؟ إن قمعناه كيف ستتطور الأمور؟ إن أنشأنا منظمات فوضوية كيف سيقبلها المجتمع؟ إن وإن وإن كثيرة جدا، ونحن نبدو كفئران مختبر. أم أننا فعلا، نمر -كمجتمعات- بتجاربنا الخاصة لنستخلص منها الطريقة المثلى لإدارة حياتنا. سافر وطرد وطورد وقاتل وجرح وشاهد موتى، صرخ بنصر وبكى بألم، والآن يراقب «الثورات فقط»، هل هو نادم أم لا؟ لم أستطع استخلاص إجابة منه، ولكنه بكل تأكيد حزين.