في الوقت الذي ينصبّ فيه اهتمام الإعلام العالمي على أحداث سورية وإيران منذ أسابيع، لم يتم التركيز بما يكفي على صراع وشيك آخر وله تبعات أكثر خطورة على البشرية بشكل عام. فجأة، اتخذت العلاقات بين القوى العظمى في العالم (الولاياتالمتحدةوروسيا والصين) منعطفاً خطيراً نحو الأسوأ. يتذكر الجميع أن السفيرة الأمريكية في الأممالمتحدة، سوزان رايس، عبّرت عن غضبها علناً عندما استخدمت روسيا والصين الفيتو على قرار مجلس الأمن الذي كان يفرض عقوبات على سورية؛ بسبب قمعها للمحتجين، لكن الصراعات تعمّقت فجأة ووضعتنا على حافة حرب باردة جديدة، أو مواجهة مسلحة بين القوى العظمى. لا أريد أن أثير المخاوف، لكن بعض التطورات التي حدثت خلال الأسابيع القليلة الماضية، وبعض تعليقات كبار المسؤولين الروس والصينيين، الموجهة ضد الممارسات الأمريكية، أشعلت فجأة ذكريات لأكثر اللحظات إثارة للخوف خلال الحرب الباردة. خلال الأسبوع الذي كانت فيه الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي وإدارة أوباما تكثف العقوبات على سورية، وفي الوقت الذي سيطر فيه الحديث عن «ممر إنساني» و»حظر للطيران»، أرسلت روسيا عدداً من السفن الحربية إلى الشواطئ السورية، بحسب الإعلام الروسي، وبحسب تأكيد مسؤولين أمريكيين لي. وبحسب إحدى الروايات، ستقوم السفن الروسية بحراسة الشواطئ لاعتراض أي سفن تقوم بتهريب أسلحة إلى المعارضة. التصرف الروسي محاولة خطيرة ولكنها محسوبة لمنع أي عمل عسكري آخر للناتو يهدف للإطاحة بنظام الأسد. الحسابات الروسية هي أن فرنسا وبريطانيا وتركيا والولاياتالمتحدة قد تفكر في تدخل عسكري محدود داخل سورية قرب الحدود التركية واللبنانية والأردنية، لكن هذه الدول لن تغامر بدخول مواجهة عسكرية مع روسيا. الانتشار الروسي هو مقامرة عالية الخطورة لتفادي الحرب. التركيز هنا على «عالية الخطورة»، رغم أن وزير الخارجية الروسي سيرجيه لافروف نقل نوايا الممارسات الروسية لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون. لو كانت المواجهة بين روسيا والغرب محصورة في سورية فقط لما كنتُ بالدرجة نفسها من القلق التي أشعر بها الآن. القيادة الروسية غاضبة أيضا لأن الولاياتالمتحدة والناتو ماضيان في إقامة درع دفاعي صاروخي لجنوب أوروبا، دون مناقشة ذلك بشكل جدي مع موسكو. والهدف الظاهري من هذا الدرع هو إيران. منذ أن وصل أوباما إلى البيت الأبيض، تبنّت أمريكا مقاربة أكثر تعاوناً في قضية الدفاع الصاروخي. وخطة بوش لنصب صواريخ بالستية وشبكة رادار في بولونيا وجمهورية التشيك تم إلغاؤها بعد وصول أوباما إلى الحكم بفترة قصيرة. المباحثات بين الناتو وروسيا حول خطة دفاع صاروخية مشتركة تقدمت إلى الأمام. كانت كلها جزءاً من إعادة ترتيب إدارة أوباما للعلاقات الروسية-الأمريكية. لكن كل ذلك سقط خلال الأشهر القيلة الماضية، ويبدو أن أمريكا مصممة على المضي قدماً بشكل أحادي. تم الإعلان منذ فترة أن جزءاً من الدرع الدفاعية الصاروخية سيتم بناؤها في تركيا. عندما رفضت إدارة أوباما أن تقدم ضمانات مكتوبة لروسيا بأن نظام الدفاع الصاروخي لن يستهدفها، رد بعض القادة الروس بقوة. الرئيس ميدفيديف أعلن في 24 نوفمبر أن روسيا قد تعيد توجيه بعض صواريخها لاستهداف أنظمة الدفاع الصاروخية الأمريكية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاقية بهذا الصدد. الجنرال ليونيد إيفاشوف، أحد كبار الاستراتيجيين العسكريين الروس، اتّهم في مقابلة له مع صحيفة برافدا في 25 نوفمبر أن «الأمريكيين ينوون تطوير نظام الدفاع الجوي؛ ليتمكن من تحييد الصواريخ الروسية والصينية». الصحافي الروسي مكسيم شيفشينكو قال إن الممارسات ضد سورية، وانهيار المباحثات حول النظام الصاروخي «قعقعة للرعد الذي يقترب لحرب عالمية ثالثة». شيفشينكو استخدم خطاباً لم يُستخدم منذ عشرين عاماً، واصفاً الولاياتالمتحدة بأنها «وحش لا يرحم، مستعد لارتكاب أي جريمة، في أي مكان في العالم لكي يحاول حل مشكلاته المالية الخاصة». لكن أكثر ما يثير القلق هو تحذير الجنرال نيكولاي ماكاروف، رئيس الأركان العامة في القوات المسلحة الروسية، الذي قال مؤخراً إن توسيع الناتو باتجاه الشرق يهدد بنشوب «صراعات إقليمية قد تتطور إلى حرب شاملة تُستخدم فيها أسلحة نووية». بعد جولة أوباما في آسيا لمدة تسعة أيام، عقد خلالها اتفاقيات عسكرية ثنائية مع أستراليا، إندونيسيا، والفلبين، استنتج الصينيون أيضاً أن أمريكا مصرّة على نهج الاحتواء العسكري ضد الصين، والمعروف في البنتاجون باسم «معركة الجو والبحر». في الوقت الذي لا يتحدث فيه أحد في واشنطن عن مواجهة جديدة بين القوى العظمى، وفيما تستمر القيادة العسكرية الأمريكية في معارضتها لأي صراعات محدودة، حتى تلك التي تستهدف سورية أو إيران، فإن وجود البحرية الروسية في المياه السورية يقدم تذكيراً بأن الصراعات الاستراتيجية نادراً ما تبدأ من نية في إثارة حريق عالمي. الحروب، ما إن تبدأ، لها طريقتها الخاصة في الخروج عن السيطرة. في زمن يتزايد فيه عدد الدول التي تمتلك الأسلحة النووية، ووجود أربعين بلداً آخر تمتلك برامج نووية حالياً، فإن أي حرب محدودة تمتلك إمكانية التصعيد خارج السيطرة. قال لي مسؤول استخباراتي أمريكي كبير إن جميع السيناريوهات لأي مواجهة جديدة في الخليج، التي تم التدريب عليها في السنوات الأخيرة، تنتهي بصراع عالمي. وكل سيناريو لصراع عالمي يتصاعد في النهاية إلى تبادل استخدام الأسلحة النووية. اعتقدتُ منذ سنوات، مع سقوط الإمبراطورية السوفييتية، وارتباط الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير جداً مع الاقتصاد الصيني، أننا كنا قد وصلنا إلى نقطة لم يعد ضرورياً معها «التفكير فيما لا يمكن تصوره». أتمنّى أن أكون على خطأ، وآمل أن يسود العقل الهادئ، وألّا نقع في «ما لا يمكن تصوره». لكن التحول الأخير نحو الأسوأ في علاقات القوى العظمى جعل النوم يهجرني.