خرج رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي، للمرة الثانية خلال اليومين الماضيين، ليؤكد تمسكه بتشكيل حكومة كفاءات وطنية أو حكومة تكنوقراط كحل يراه ضرورياً لتخفيف حالة الاحتقان السياسي والشعبي في البلاد. وقال الجبالي مساء أمس الأول في تصريح إعلامي مقتضب وجّهه إلى الشعب التونسي، إنه مصرّ على تشكيل حكومة كفاءات وطنية «غير متحزبة» تشرف على ما تبقى من مرحلة الانتقال الديمقراطي والتحضير للانتخابات القادمة في أسرع وقت ممكن. وكانت حركة النهضة الإسلامية الحاكمة التي يتولى الجبالي منصب الأمين العام فيها، رفضت مقترح الجبالي بتشكيل حكومة كفاءات بعيداً عن المحاصصة الحزبية، وواجهته بعراقيل قانونية تمثلت في أنه في صورة إقرار تشكيل حكومة جديدة إما بسحب الثقة من الحكومة الحالية أو باستقالتها، فإن رئيس الجمهورية يطلب من الشخص الذي يرشحه الحزب الأغلبية في المجلس التأسيسي تشكيل الحكومة، ثم تعود هذه الأخيرة من جديد إلى المجلس التأسيسي لنيل ثقته، الأمر الذي سيعقّد المسألة بالنسبة للجبالي. وعاد الجبالي ليقول إنه لم يستقل وإنما سيقوم بتشكيل حكومة كفاءات في إطار تعديل وزاري شبه كامل، مع المحافظة على بعض الوزارات حسب الفصل 17 من التنظيم المؤقت للسلط العمومية، وهو ما من شأنه أن يعفيه من ضرورة العودة إلى المجلس التأسيسي لنيل الثقة منه خصوصاً في ظل معارضة النهضة والمؤتمر لمبادرة رئيس الوزراء. وقال الجبالي «أنا مقتنع بهذا الخيار، وهو أفضل الحلول بالنسبة للوضع في تونس، فهو يخدم مصلحتها ويجنبها مزيداً من التوتر». وأضاف أن الحكومة الجديدة ستكون محايدة عن الأحزاب وستعمل جهدها من أجل تحقيق أهداف الثورة والوصول إلى الاستحقاق الانتخابي بسرعة، داعياً الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني إلى دعم هذه الحكومة. وقال الجبالي في هذا الصدد «مع الأسف هناك أحزاب بدأت تُملي شروطها وكأنها تبحث عن تعلات لإفشال هذه المبادرة، أدعوها إلى عدم عرقلة الحكومة الجديدة، وأن تتجرد من النظرة الحزبية الضيقة» على حد تعبيره. كما أبدى الجبالي ثقته في مساندة حركة النهضة لقراره قائلاً «أنا متأكد أن صوت العقل والحكمة سيتغلب على كل الاعتبارات الأخرى». وفي إطار ردود الأفعال على مبادرة الجبالي، قال حمة الهمامي الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية، إن المسألة لا تتعلق بالأشخاص بقدر تعلقها بالبرنامج الذي يجب أن يجلس الجميع دون إقصاء للتوافق حوله ورسم خارطة طريق تسير وفقها أي حكومة جديدة. وأعرب حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات عن ترحيبه بمبادرة رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي، ورأى أنها خطوة على الطريق الصحيح. فيما أبدى حزب المؤتمر تحفّظه إزاء المبادرة، وقال إنه لم تتم استشارته فيها. ورأت أغلب القوى السياسية التونسية أن مبادرة الجبالي «انقلاب شرعي» على منطق المحاصصة الحزبية الذي أثبت فشله طيلة الفترة السابقة، وأعربت معظم التيارات السياسية عن تقديرها لمبادرة رئيس الوزراء رغم أنها أتت متأخرة، مشددين على ضرورة أن يقوم حوار وطني يجمع كل الفرقاء من أجل الاتفاق على برنامج الحكومة في المرحلة المقبلة. وكانت حركة النهضة رفضت قرار الجبالي بتشكيل حكومة تكنوقراط، إلا أن الصحبي عتيق رئيس كتلة النهضة في المجلس التأسيسي، قال إن قرار النهضة ليس نهائياً، وأن حزبه مازال يتفاعل مع مختلف الأحزاب والشخصيات من أجل الوصل إلى قرار نهائي في هذا الخصوص.