وعندما كنت تلميذاً صغيراً مستضعَفاً لأسباب عائلية؛ كنت أنهضُ فجرَ كلِّ يومٍ – حتى أيام الشتاء القارس – أذهب لصلاة الفجر في المسجد، ثم أعود لأجلس في شباك بيتنا الحجري في القرية لأقرأ القرآن. وفي توقيت محدد أضع قلمي الأوحد ودفاتري مع كسرة (خبزة) في (غفرة المدرسة) وأعلِّقُها في كتفي، منطلقاً نحو المدرسة في قرية مجاورة سيراً على الأقدام، وهناك يستقبلنا المعلمون الأشدَّاءُ الغلاظ فنبدأ (تسميع القرآن الكريم)، والويل لمن كان يخطئ حتى لو في تشكيل كلمة واحدة. كانوا يبحثون عن خطأ، ويتمنون وقوعه لكي يضربوننا ضرباً مبرحاً؛ لأنَّ الخطأ في كلمة جريمة، فما بالكم لو أخطأ أحدنا في آية؟ لا أذكر أننا في السنوات الأولى كنَّا نتعلم غير اللغة العربية، وكنا نتعلمها فقط لنقرأ القرآن. كنا لا نسمع أي شئ يدخل إلى قلوبنا كأطفال، فكل الذي يقال لنا: احذروا عذاب القبر وعذاب الآخرة وحساب المَلَكَين وخروج «الأقرع الشجاع» عليكم في القبور ومقمعة الحديد.. إلخ، نصلي الظهر جماعة، ثم يسأل المخبر الذي يعينه المدير ليكتب أسماء المتخلِّفِينَ عن أداء أي صلاة في المسجد. طبعاً نحن أطفال القرية لا نعرف ذاك المخبر، ولذا كان الشكُّ متبادلاً بينَنَا والحق أقول: إنه لم يكن يتأخر أحدُنا عن الصلاة في المسجد إلا إذا كان مريضاً لا يقوى على الحركة، فإن غاب بسبب المرض لابد أن نشهد بذلك؛ إذ لا يكتفي المدير بإفادة المخبر. غداً نكمل.