لم أكن في يوم من الأيام من المعجبين بما تسمى رياضة الملاكمة. كنت أعدها امتداداً للمباريات التي كانت تقام أيام قيصر روما في العهد الروماني حيث يتعطش الناس لرؤية الدماء ولرؤية المتقاتلين وهم يقتلون بعضهم بعضاً في أشرس مباريات عرفها تاريخ الإنسان ولكن عندما دخل حلبتها الملاكم الأسطوري المسلم محمد علي كلاي وبمواقفه ضد حرب فيتنام وبأشعاره وبخفته وبراعته حولها لنوع من العنف الرومانسي الذي يجبرك أن تقف معه. وكان يقول: «أنا كرجل أسود لا أقبل أن أحارب الرجل الأصفر من أجل الرجل الأبيض». بولوج محمد علي كلاي لحلبتها تغير كل شيء. إذ إنه فتح أبواب الشهرة للعبة الملاكمة بعد أن ظلت زمناً طويلاً ومنذ أول مباراة أقيمت في التاريخ في العام 1520 قبل الميلاد في جزيرة ثيرا في اليونان يحترفها الرياضيون الذين لايملكون أي مواهب. وكل ما عندهم هو عضلات متورمة ورقاب مثل رقاب الثيران وقدرة على تحمل اللكمات. ولكنها فجأة أصبحت فناً رفيعاً بدلاً من ذلك الهيجان والعنف الذي اتسمت به. وملأ محمد علي الحلبة بخفة حركاته ورشاقته وردود أفعاله الانعكاسية التي تأتي في وقتها المحدد وكان يقول إنه يرقص كالفراشة ويلسع كالنحلة... ولكن بذهاب محمد علي عادت الملاكمة رياضة من لا مواهب له ولم تعد تستهويني ولم أعد أشاهدها.