لست صغيرا لدرجة عدم تذكر مباريات الملاكم الأسطوري محمد علي كلاي.. غير أنني رأيته مؤخرا - على التلفزيون - في حاله طبية متأخرة تنبئ بالخرف التام.. فهذا الملاكم العظيم يعاني مما أصبح معروفا ب(متلازمة الملاكم المتقاعد) نتيجة ضرب رأسه المتواصل طوال حياته الرياضية. ومن أبرز أعراض هذه المتلازمة الترنح في المشي والثقل في النطق وعدم التركيز على فكرة واحدة (وجميعها تظهر كأعراض لمرض باركنسون أو الشلل الرعاشي).. فالملاكم المحترف يمكنه تسديد ضربة تعادل 100مرة قوة الجاذبية الأرضية على رأس خصمه. وخلال مباراة من عشر جولات قد يتلقى 60ضربة من هذا النوع (ترفع مجموع قواها إلى 6000مرة). وفي حالات كثيرة تؤدي ضربة كهذه إلى تعرض الدماغ إلى اصطدام قوي بالجدران الداخلية للجمجمة.. فدماغ الانسان مجرد مادة هلامية - شبة سائلة - تؤدي الحركات المفاجئة إلى تموجها بقوة داخل الجمجمة. وتعرضها لقوة دفع أو ضغط كبيرة من شأنه سحق أنسجة الدماغ أو التسبب بنزيف داخلي ينتهي بالوفاة. وحالة كهذه شائعة في حوادث السيارات حيث يؤدي التوقف المفاجئ - أو الارتطام القاسي - إلى اصطدام الدماغ بمقدمة الجمجمة (من الداخل) فيتوفى المرء بدون علامات تضرر خارجية.. وفي عالم الملاكمة هناك حالات حقيقية لوفيات حدثت فوق الحلبة بسبب لكمات قوية سببت نزفا داخليا. ورغم أنها (حالات نادرة) إلا أن الضرب المتواصل يسبب بدوره أضرارا صغيرة - قد لا تكون واضحة - ولكنها تتراكم على المدى الطويل.. ورغم أن مرض باركنسون يصيب أيضا المشاهير خارج الحلبة (كهتلر وماوتسي تونغ والبابا يوحنا الثاني والرئيس الأمريكي ريغان) إلا أن معظم الأطباء يعتقدون أن اللكمات المسددة لوجة ورأس الملاكم ترجح الإصابة به. وفي اللقطة (التي رأيت فيها محمد علي كلاي) بدا وجهه خاليا من التعابير وجسده لا يكف عن الارتعاش ولسانه يعجز عن الحديث.. وهذه الأعراض تميز المصابين بمرض باركنسون أو الشلل الرعاشي الناجم عن نقص مادة ال( دوبامين) في الدماغ. ويعود اكتشاف هذا المرض إلى عام 1817حين رصد الدكتور جيمس باركنسون حالة عصبية غريبة تنتاب بعض مرضاه//وبفضل جهوده في دراسة ومتابعة المرض سمي باسمه. وبعد مائة وخمسين عاما لاحظ طبيب يدعى هورنيكوز أن مادة الدوبامين تنعدم تقريبا في أدمغة المتوفين بداء الباركنسون. ورغم أن هذه الحالة تأتي لبعض الناس بشكل طبيعي إلا أنها ترتفع لدى الرياضيين المحترفين على حلبة الملاكمة أو ملاعب كرة القدم (حيث تتضاعف قوة الكرة كلما زادت سرعة انطلاقها)!! ... كل هذا يقودنا للتأكيد على خطورة أي رياضة أو ممارسة تتضمن ضرب الوجة أو تحريك الدماغ بطريقة مفاجئة (بما في ذلك هز الأطفال الرضع بعنف أو مرجحتهم بقوة).. ويساند هذا التوجة ماجاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إذا قاتل أحدكم أخاه فلا يلطمن الوجة"... وهذا حتى في حال الاقتتال واشتداد الغضب!!