القصيم – علي اليامي الجوازات: جولاتنا مستمرة بصورة يومية.. والعمالة الموجودة في المزارع غالبيتهم نظاميون. الزراعة: يقتصر دعمنا لمُزارعي غير النخيل على توفير المبيدات الحشرية ومعالجة الحيوانات. يشهد النشاط الزراعي في المملكة تراجعاً كبيراً، ويعاني الفلاح السعودي انتكاسة منذ ما يقارب أربعين عاماً، بسبب ارتفاع الأسعار وغياب أو قلة الدعم، مع ما تشهده السوق الزراعية من سيطرة السماسرة والعمالة الوافدة وعزوف للفلاحين السعوديين، فيما تشهد مختلف السلع واللوازم الزارعية ارتفاعاً في الأسعار، ويظل الفلاح ملزماً ببيع بضاعته بأبخس الأثمان، بينما المستفيد الوحيد من موجة الغلاء هم السماسرة وبائعو الجملة. بدورها، فتحت «الشرق» ملف هجرة الفلاحين وغيابهم عن العمل في مزارعهم خلال السنوات الأخيرة، واعتمادهم على العمالة الوافدة في إدارة وتصريف أعمالهم، وتسليمهم مزارعهم مقابل الحصول على نصف عوائدها، أو من خلال تأجيرها بأرباح ثابتة. تأجير المزارع يقول محمد العويد إنه يعمل في مزرعته منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً في الفويلق، ويبيع حسب حاجة السوق من المزروعات المختلفة، مضيفاً أن زبائنه من السماسرة وبائعي الجملة لا يدفعون كثيراً لأنهم يبحثون عن الأرباح الكبيرة، وقال «نبيع صندوق الطماطم بخمسة ريالات إلى ثمانية ريالات، بينما هم يقومون بزيادة ذلك السعر إلى الضعف لكونهم يملكون محلات مخصصة للبيع والعرض، رغم أننا نخسر كثيراً في شراء الديزل والبذور والحصد وتوفير رواتب العمالة، وفوق ذلك فإن الدعم لا يوازي حجم الخسائر، إذ يقتصر على أدوات الرش وطرق معالجة الحيوانات فقط، أما الدعم المادي فهو محصور لمزارع النخيل فقط». وأضاف العويد «لهذا قرّرت تأجيرها لعامل يعمل لدي ليقوم بالزراعة والإشراف عليها وله نصف مدخولها من المزروعات، وبذلك استطعت أن أرتاح من عناء الزراعة في ظل عدم وجود دعم كافٍ يكفل للفلاح مواصلة العمل والزراعة والحفاظ على المنتجات الطبيعية الخالية من الأسمدة الكثيرة المضرّة بصحة الإنسان». انقراض الفلاحين وقال صالح الناصر، مالك إحدى المزارع في ضراس غربي بريدة، إن عدم وجود الفلاح السعودي في غالبية المزارع عدا عدد قليل في بعض القرى والهجر، له أسباب ودوافع كثيرة، مشيراً إلى أن أغلب الفلاحين لا يجدون الجو المناسب للعمل في مهنتهم، فقد شهد الزمن الماضي تحولات كبيرة في حياة الفلاحين السعوديين بسبب وجود العمالة الكبيرة التي شاركتهم العمل وأدخلت ثقافة الشراكة والعمل دون راتب مقابل إعطاء نصف الدخل للفلاح، ومن هنا خرج الفلاح ليرتاح. وأضاف الناصر «مللنا الوجود وسط المزارع، وأصبحت مجرد مكان للاستجمام لعائلاتنا في عطلة نهاية الأسبوع، وهجرة الفلاح السعودي المزارع ناتجة عن قلة الدعم من قِبل وزارة الزراعة والأثمان البخسة التي يجنيها بعد عناء وتعب وإرهاق مالي ونفسي، والنتيجة بضعة آلاف تقابلها خسائر مضاعفة، والحل هو الهجرة والبحث عن عمل آمن، وقد تركنا الزراعة للعمالة لعدم وجود أجواء مناسبة للعودة لعمل الفلاحة، والدعم من قِبل الزراعة ينحصر في توفير مبيدات حشرية وجولات لمعالجة الحيونات، بينما الدعم المالي الكبير يذهب لصالح مزارع النخيل، أما المزارعون من أصحاب النشاطات الأخرى فدعمهم يكاد يختفي تماماً، ولو أنهم يحصلون على إعانات مثل ما يحصل عليه ملاك مزارع النخيل لبقوا مستمرين في عملهم وإنتاجهم، فالدعم يشمل مزارع النخيل، وكل مؤشرات البيع والشراء ترتفع عدا مؤشر الفلاح تختفي وتنقرض وسط تفرج وزارة الزراعة». ثمانون ريالاً فقط من جهته، أكد عضو هيئة التدريس في جامعة القصيم الدكتور عبدالعزيز المشيقح، أن العمالة استغلت غياب الفلاح السعودي وإشرافه المباشر على عمله، فقامت بانتهاز هذه الفرصة لتقوم بتعبئة الخياش بأنواع الخضراوات المختلفة لتبيعها بمبلغ ثمانين ريالاً، ولديها زبائن كثر. وأضاف المشيقح أن العمالة وُجدت وسكنت وزرعت وأقفلت التصدير على الأسواق لتقوم بالبيع داخل المزارع لتكسب زبائن محددين نهاية كل أسبوع، وقال «أرى بنفسي مجموعة مواطنين يتوافدون على مزرعة في أضراس غرب مدينة بريدة لشراء كميات من الخياش المعبئة بالخضراوات المنوعة بمبلغ ثمانين ريالاً فقط، ومن هنا ألوم الجهات المسؤولة التي شاركت في اختفاء الفلاح السعودي، وربما يأتي يوم لا نراه أبداً، كونه فقد الدعم وعملية البيع المنظمة، فهو يزرع ويتعب ويصرف أموالاً كثيرة تقابلها مجموعة بروشورات تثقيفية من قِبل الزراعة ودعم محدود لا يقارن بما يقوم به الفلاح من جهد بدني ومالي، ومن هذه النقطة انطلقت العمالة لتسيطر على المزارع بكل سهولة، بعيداً عن المراقبة، بدعم أصحاب المزارع من فلاحين أصابهم الملل من قلة الدعم المالي وغياب وزارة الزراعة عن الفلاح وغياب الفلاح هجرة للأموال. الفلاح الزائر ولفت المزارع يوسف الزعاق إلى أن منطقة القصيم تتألف من أرياف زراعية، وهي منطقة كبيرة الحجم تختلف عن باقي المناطق، حيث كانت تضم أكبر نسبة من الفلاحين في القرى والهجر والأرياف الذين اهتموا بالزراعة وطوّروها كثيراً، ولكن كثرة العمالة وقلة الفائدة المجنية للفلاح أسهمت في هجرانها الزراعة وتسليم المزارع للعمالة للقيام بأعمال الفلاحة. الحياة المدنية وقال المزارع الهاجر للزراعة منيف السويلم، إن الفلاح ارتبط كثيراً بالزراعة وتطويرها، بل وأسهم بطريقة مباشرة في ترجمة تعبه سنوات إلى واقع كبير خلال السنوات الماضية، واليوم من النادر أن نرى فلاحاً يعمل في مزرعته لأسباب كثيرة، أبرزها عدم وجود دعم كافٍ، إضافة إلى مؤثرات أخرى مثل دخول الفلاح إلى عالم الحياة المدنية، وأسباب قادته للابتعاد لتكون العمالة القادمة هي المستفيدة من المزارع الخاوية من الفلاح السعودي النشط سابقاً لتجد نفسها طوعاً تمتلك غالبية المزارع وتقوم بعمل كل شيء وسط حسرة وألم الجميع. مشكلات الفلاحين أما رجل الأعمال طلال سلامة صاحب محلات زراعية، فيقول «مشكلات الفلاحين تتمثل في أزمات الديون لدى محلات مرتبطة بالمزارع، إلى جانب الدعم المالي المفقود، وغياب دور الجمعيات الزراعية في المنطقة، وكون الفلاح يريد أن يرتقي بعمله ليحصد مكاسب جيدة وجد نفسه غارقاً في الديون بسبب الأرباح القليلة، ووجد عروضاً جيدة من قِبل العمالة للعمل في المزارع مقابل الحصول على نصف الأرباح، ما سهل عليه عناء التعب، وأضاف له عوائد مضمونة فقبلها مجبوراً لتفادي الخسائر، وتكونت هذه الظاهرة حتى سيطرت العمالة على المزارع واختفى معها الفلاح السعودي». الجمعيات الزراعية يوسف الدخيل في السياق ذاته، رأى رئيس مجلس إدارة الجمعية التعاونية السابق في محافظة عنيزة يوسف الدخيل، أن تطوير القطاع الزراعي والارتقاء به لضمان عودة الفلاحين السعوديين يتمثل في إيجاد ميزانية تليق بمستوى زراعة الفلاح من قِبل وزارة الزراعة، وتفعيل أدوار الجامعات بالأبحاث العلمية لتقديم خدمات للفلاح لضمان إيجاد بيئة جيدة له للعودة إلى ممارسة مهنته، حيث إن تنفيذ المشاريع الزراعية وسط قلة المردود المادي لا يشجع الفلاح للعمل في هذا النشاط. وأضاف أن دور الجمعيات التعاونية الزراعية لابد أن يفعّل لخدمة الفلاح ودعمه بكل الاحتياجات الضرورية، مع تقديم عوائد جيدة لينطلق للعمل وسط أجواء آمنة وأرباح مجزية تكون سنداً له للعمل والتخلص من سيطرة العمالة الوافدة. زراعة النخيل محمد اليوسف من جهته، أكد مدير عام فرع وزارة الزراعة في منطقة القصيم محمد اليوسف، أن الفرع يقدم مساعدات كبيرة للمزارعين المهتمين بزراعة النخيل، أما بالنسبة للفلاح فيوفر له مبيدات حشرية خاصة بالرش، وكذلك أدوات معالجة الحيوانات. عمالة نظامية النقيب حماد المطيري من جهة ثانية، قال الناطق الإعلامي في جوازات منطقة القصيم النقيب حماد المطيري، إن جولات الجوازات مستمرة من خلال برنامج يتم تنفيذه بصورة يومية على المزارع لرصد العمالة المخالفة لأنظمة الإقامة، إلى جانب مباشرتها حالات البلاغات التي ترد إليها بوجود مخالفين، مؤكداً في الوقت نفسه أن العمالة الموجودة في المزارع غالبيتهم نظاميون. وافدون يسكنون المزارع بعد السيطرة عليها واختفاء الفلاحين السعوديين (تصوير: فهد الضويفري)