فاجأ الفنان جميل محمود حضور أمسيته التي نظمها ملتقى الأحبة في صالون عبدالحميد كاتب الثقافي مساء أمس الأول، بأن طربه لم يقتصر على الإنس فقط، وإنما شمل الجن أيضا. وقال محمود في سياق حديثه عن مقام «الركبي»: «إن هذا المقام يطرب له الجن، وكنت أغني به ذات مرة في إحدى الغرف في منزلي، فسمعت أصواتا غريبة خلف دولاب الملابس، فما كان مني إلا أن أخذت عودي وهربت». وبين محمود، في محاضرته عن تاريخ الفن الغنائي في مكةالمكرمة، أن الغناء في مكة ظهر مع عبدالله بن سريج، الذي ولد في خلافة عمر رضي الله عنه، لافتا إلى أن ابن سريج كان حاذقا في الغناء، وأنه تأثر بالثقافات الفارسية الطارئة على الحجاز خلال تلك الفترة. وانتقل بعد ذلك إلى العصر العباسي، موضحا أن هذا العصر شهد ظهور المغنيين إسحاق الموصلي، وإبرهيم الموصلي، بالإضافة إلى زرياب الذي تلقى الصنعة عن إسحاق الموصلي، وهو من أضاف الوتر الخامس المسمى باسمه إلى العود العربي، كما أنه ترك أثرا في الأندلس وفي إسبانيا، وجنوب فرنسا. وأشار محمود إلى أن العصر العثماني شهد تضييقا على الغناء في مكة، بدعوى قدسية المدينة الأمر الذي اضطر أهل مكة إلى بناء أقبية تحت منازلهم لممارسة الغناء والعزف. أما العهد الهاشمي، فشهد، بحسب محمود، ظهور الفنان الشريف هاشم الذي انتقل بالأغنية المكية من المحلية إلى العالمية، حيث غنى في القاهرة، وبيروت، كما أنه حافظ على المقامات المكية. ولفت إلى أن العهد السعودي شهد بزوغ نجوم الأغنية السعودية في مكة مثل طارق عبدالحكيم، وطلال مداح، وغازي علي، وعبدالله محمد، ومحمد عبده، إضافة إلى رواد القصيدة الغنائية مثل الأمير عبدالله الفيصل، ومحمد طلعت، وإبراهيم خفاجي، ومصطفى زقزوق. وقال إنه يعتبر محمد عبده من فناني مكة لأنه تخرج من جامعة إبراهيم خفاجي الذي اكتشفه، وجعله يحفظ المقامات، وأغاني الرواد المكيين. وتطرق محمود إلى قضايا فنية، حيث أوضح أن «المزمار»، جاء إلى مكة من إفريقيا، وأن أهل مكة أعجبوا بإيقاعاته، ووضعوا له أغاني مخصصة تسمى «الزومال»، كما بين أن مقام «الخيّالي» يستعمله أهل الباحة في عرضتهم، مرجحا أن يكونوا قد أخذوه من مكة. وطالب محمود بافتتاح فرع لجمعية الثقافة والفنون خارج حدود الحرم، مبررا طلبه بالمحافظة على تراث مكة الفني والغنائي.