تحوّل المسجد النبوي في عهد رسول الله -عليه الصلاة والسلام- إلى مركز علمي وتربوي ومنبر للثقافة، ففي الروضة الشريفة مجموعة من السواري وكانت من جذوع النخل وسميت لاحقاً الأسطوانات واشتهر منها ثمان، إحداها «أسطوانة الوفود» سميت بذلك لأن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- كان يستقبل الوفود عندها ولاسيما في العام التاسع، وما زالت في موقعها حالياً في الجزء الشمالي الغربي من حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث تُلْقَى أمامه -عليه الصلاة والسلام- الكلمات والبيانات وقصائد الشعر، ولذلك شواهد تطبيقية متعددة: فهذا وفد بني تميم قد قدم إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فألقى خطيبهم خطبة فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ لإلقاء الخطبة ثم ألقى شاعرهم أبياتاً فنادى رسول -الله عليه الصلاة والسلام- حسان بن ثابت وأمره بالرد فأنشد أبياتاً فَقَامَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ رئيس الوفد وقَالَ : إِنَّ مُحَمَّدًا لَمُؤْتَى، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هَذَا الأَمْرُ، تَكَلَّمَ خَطِيبُنَا فَكَانَ خَطِيبُهُمْ أَحَسَنَ قَوْلا، وَتَكَلَّمَ شَاعِرُنَا فَكَانَ شَاعِرُهُمْ أَشْعَرَ، ثُمَّ دَنَا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. ويتضح من تبادل الكلمات بين خطيب وآخر وكذا قصائد الشعر بين شاعر وآخر ثم الحكم على كل منهما أن المسجد النبوي كان من المراكز الثقافية الأولى ؟ وها هو كعب بن زهير يلقي بعد الصلاة مباشرة قصيدته أمام النبي -عليه الصلاة والسلام-: بانَتْ سُعادُ فَقَلبي اليومَ مَتْبولُ مُتَيَّمٌ إثْرَها لم يُفْدَ مَكْبولُ وما سعادُ غَداةَ البيْنِ إذ رَحَلوا إلاّ أَغَنُّ غَضيضُ الطَّرْفِ مَكْحولُ وقيلت هذه الكلمات الرائعة في مسجده -عليه الصلاة والسلام- بعد الصلاة مباشرة وأعجب بها وأهداه جائزة ثمينة (بردته) عليه الصلاة والسلام .