منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأت أوروبا -بصفة عامة- تتبوأ مكاناً سامقاً -بعد أمريكا وكندا- في العالم.. مِلؤه التطور والقوة والنفوذ والحيوية، بعد أن ساد فيها «الاستقرار السياسي» الصلب، القائم على «أسس» سليمة: رضا الأغلبية. فأصبحت ثاني أهم وأكبر المراكز الحضارية والصناعية والتقنية والثقافية العصرية، في العالم. وأصبح معظم سكانها يتمتعون بمستوى معيشي عالٍ وراقٍ. وأسهم جمال طبيعتها، وطيب مناخها، في جعلها كما الحديقة الكبرى الغنّاء.. في وسط عالم مضطرب، في معظمه. وباتت إحدى أبرز قِبلات السياحة، ومحط أنظار أغلب شعوب الأرض. بل وأصبحت منطقة هجرة جاذبة جداً. ولو لم توجد «الحدود»، والموانع المعيقة للهجرات السلبية، لهاجر جزء كبير من سكان إفريقيا وآسيا بخاصة، إلى تلك القارة الجميلة، التي توصف -زوراً- بأنها «العجوز»، بينما هي دائمة الصبا، متجددة الشباب. وأولئك كانوا سيهاجرون دون عودة إلى بلدانهم الأصلية.. حيث البؤس والتخلف، وتحكم حلقة «الفقر – الجهل – المرض». لو سهلت هذه الهجرة، أو تُجوهلت، لتكثفت، ولتدهور مستوى المعيشة الأوروبي -وخاصة الغربي- وربما نزلت بعض تلك الدول إلى مرتبة الدرجة الثالثة! الأمر الذي يبرر لأوروبا -وأي دولة في مثل هذه الظروف- أن تعمل كل ما في وسعها -كما حصل بالفعل، بطبيعة الحال- ل»حماية» نفسها.. ضد الهجرات السلبية، التي قد تتعرض لها، نتيجة تمتعها بمزايا أرقى -نسبياً- مما يحيط بها، من بلاد وأمصار. ويبدو أن المملكة تعدّ -من حيث المستوى المعيشي، بصفة عامة- من البلاد المتميزة، ومن ذوات الهجرة الجاذبة، أو التي تحسب ملاذاً فردوسياً لبعض المعدمين المحيطين. فبلادنا، بفضل ما حباها الله به من نعم واستقرار، أصبحت -منذ خمسة عقود- هدفاً لهجرة استيطانية مكثفة، وغير مشروعة.. مصدرها بعض بلاد إفريقيا وآسيا.. وعناصرها بشر من أسفل السلم الاجتماعي في بلدانهم.. لدرجة أنه مهما كان مستوى عيشهم في المملكة متدنياً، فإنه ربما يظل أفضل من مستواهم المعيشي في مساقط رؤوسهم. ولم تجنِ المملكة من هجومهم الضاري هذا عليها سوى الأذى والضرر.. فمعظم أقسام الشرطة لدينا تنوء بمشكلات وقضايا مصدر أغلبها هؤلاء.. تلك المشكلات التي تبدأ بالمخالفات والتزوير، وتنتهي بالترويع والقتل.. مروراً بترويج المخدرات، والدعارة، والسرقة، والشعوذة، ونشر الأوبئة… إلخ. لا أتحدث هنا عن «الأجانب» -بصفة عامة- وإنما عن فئات معروفة، من شذاذ الآفاق. وبالطبع، هناك مقيمون كثر.. أفادوا بلادنا واستفادوا منها، وبعضهم أصبح بإمكانه طلب الجنسية، بعد صدور نظام الجنسية الجديد، الذي يتيح للمتميزين (إيجاباً) فرصة التجنس. أما الذين يملؤون شوارعنا وأزقتنا قذارة وجرماً ورعباً.. فلا أهلاً ولا سهلاً.. وكم يسرني -كمواطن- أن تتواصل حملات مداهمة أوكار المهاجرين غير الشرعيين لبلادنا، وأن يتم ترحيل من يوصفون ب»المتخلفين». وخاصة أولئك الذين تطالعنا الصحف المحلية بأوضاع يندى لها الجبين، يمارسها هؤلاء، ويلوّثون بها أجواءنا ومجتمعنا، يتم كشفها جراء هذه المداهمات، التي تُشكر «أم الوزارات» (وزارة الداخلية) على شنّها، من حين لآخر، حمايةً للوطن والمواطنين. كم أتمنى -كمواطن غيور- أن لا يبقى في البلاد من أجانب سوى العدد الذي تحتاج إليه البلاد بالفعل، ويمثل الحد الأدنى المطلوب. أما ما عدا ذلك، فرحيله أفضل لنا، وربما له أيضاً. إن جزءاً كبيراً من هذه «الهجرة» عبارة عن: توافد أعداد كبيرة -نسبياً- وبطرق وأعذار شتى، إلى المملكة، ليس بغرض الزيارة، أو السياحة الدينية، أو العمل النظامي، بل بهدف: الاستيطان الدائم، والإقامة المتواصلة. وهي غير مشروعة لأنها تتم مخالفة (تماماً) لكل قوانيننا ونظمنا. وقد نجح جزء كبير من هؤلاء في البقاء لعقود، وتوالدوا وتكاثروا بشكل يثير الذعر والاستغراب. إنهم بمثابة «شعب» دخيل، يحاول أن يفرض نفسه، في هذه البلاد، ليس عبر الغزو والاحتلال، بل عبر التسلل، وكسر القوانين والتخفي. وقد تجد المملكة نفسها، في المدى الطويل، مضطرة -ربما تحت ضغوط دولية- لقبول هؤلاء في الطيف السعودي المتميز. علما بأن بقاء هذه الفئة -على أي صورة- له أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية سلبية، وبالغة الخطورة، مما لا يخفى على المعنيين. لذا، يجب أن تكون هناك حملات مستمرة ومتواصلة لتصفية البلاد من هذه الفئة المخالفة، خاصة في ظل التزايد -الهائل- لأعدادهم، بين ظهرانينا. وهذه الحملات لن تنجح (تماماً) إلا بتعاون المواطنين مع «أم الوزارات» التي تقوم بتوفير الأمن الشامل لبلادنا، وتتولى صيانة هذا الأمن، الذي يعدّ -بعد رضا المولى، والعافية- أثمن ما لدى الإنسان من نعم. فهو كالماء والهواء.. ودون الأمن لن تكون هناك حياة طبيعية. إن هذه الوزارة تحمينا -بعد الله- من شرور المخالفات والجنايات والجرائم والحرائق والكوارث والإرهاب والدسائس، والمؤامرات. وأبسط واجباتنا -كمواطنين- أن نتعاون معها، ونشد من أزرها، وخاصة في مجال مكافحة هذه الظاهرة. وختاماً، لابد من تحية إجلال وإكبار لكل العاملين في هذه الوزارة، وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، وزير الداخلية. (للحديث صلة).