يشكل السواد الأعظم من المجتمع السعودي ثلاث فئات، المنتمون للتعليم من معلمين ومعلمات، والمنتمون للمؤسسات الصّحية من أطباء وطبيبات، والمنتمون للمؤسسات العسكرية بتصنيفاتها المختلفة من داخلية ودفاع، وهؤلاء جميعاً يعتبرون الوظيفة مصدرَ دخلٍ لهم تقيهم سموم الحياة، وظروف الزمان، وتجعلهم ينظرون للمستقبل بناءً على دخلهم الحالي، وما يقتاتونه من عملهم. في بحثي التفصيلي عن سلم الوظائف، سأبدأ بالمعلمين والمعلمات الذين يشكّلون غالبية في المجتمع، وببحث بسيط فإن سلم الراتب يتوقف للمعلم بعد ربع قرن على الأقل من الجهاد والتعليم، وفي أحسن الأحوال عند الرقم (20219 ريالا )، وهو رقم لا يليق بمن أمضى عمره في تخريج الطلاب ليكونوا عماد الوطن، وهم أكثر العاملين في المجتمع تضرراً لتعاملهم مع أكبر قدر من الأشخاص في غرفة واحدة ولعام كامل، والعام الذي يليه نفس السيناريو، لذا فإن عدم وجود حوافز كبيرة للمعلمين تجعل منهم مجرد مؤدي مهنة، وتذهب بهم أو بهنّ إلى الآلة التي تؤدي دوراً محدداً في إخراج المنتج وجعله يظهر بعيدا عن حساب الجودة، وهذا الأمر يدفعني لسؤالين بريئين: لماذا نبخل على من ينير عقول أولادنا ؟ لماذا لا توضع بدلات للمعلمين والمعلمات تجعل التمايز بينهم أمراً يتعلق باجتهادهم وعملهم ؟ للإجابة عن السؤالين السابقين، يجب أن ننظر للنظرة الاجتماعية للمعلم، ففي ضوئها سندرك كم خسرنا بعدم تقدير معلمينا. العسكريون بدورهم يشكّلون الفئة الثانية في هذا المقال، وهم يستحقون أن ننظر لما يقدمونه بفخرٍ واعتزاز، وهم حماة الوطن، والذائدون على حياضه من كل باغٍ، وهم في كل بيت، سواء أخ أو قريب أو صديق، وهمّهم الأساسي كل مامن شأنه رفعة الوطن، لذا فإن نظرة على أعلى راتب للعسكري هو (28740 ريالا )، وهو لا يتوافق مع مايبذلونه من أجل خدمة الوطن والمواطن. ثالث الفئات هم الأطباء والطبيبات، وهم الذين حلموا، وطَمِحوا للوصول إلى أحلامهم، حققوا ما وصلوا إليه، هم الذين تقف أرواحنا بين أيديهم عند المرض، وهم الوحيدون الذين يتساوى بين أيديهم الغني والفقير، وهم الذين يحتاجون وقفة تتلاءم مع فخرنا بهم، القطاع الحكومي لدينا في الصحة طارد للكفاءات، وعلى الرغم من هذا فالأطباء أو الطبيبات المواطنون يتمسكون بحقوقهم في مواطنتهم ويبقون في القطاع الحكومي. رغم الكلام الكثير الذي قيل عن تعديل رواتبهم؛ إلا أن الأمر بقي فرقاً بسيطاً لا يليق بطبيب، فأعلى راتب يصل إليه الطبيب هو (26010 ريالات ) وهذا مايجعل كثيرا من الأطباء يتجهون بعد أن يرحل العمر إلى إنشاء عيادة خاصة، أو العمل في مستشفى خاص لزيادة دخلهم، بعيداً عن الرقابة الحكومية، وهذا مايجعل السؤال الأكبر يُطرح: لماذا ؟ وهل نحن بحاجة إلى أموال إضافية للحفاظ على مكتسبات وطننا من أبنائه الأطباء. إن الحل البسيط من وجهة نظر متواضعة أن يتم النظر بشكل جدي في سلّم رواتب الفئات الثلاث، على أن يتم اعتماد زيادات تليق بالمواطنين من هذه الفئات، ولايقف الأمر عند هذا الحد بل يستمر لوضع حوافز لهم ومنحهم تأميناً صحياً، وبدلات تليق بهم من سكن ونقل وغير ذلك، وهذه الحلول المؤقتة قد تكون هي الحلول الأولى للوصول إلى «عدالة» تقابل « قيمة العمل» الذي يؤديه هؤلاء المواطنون. ماتفخر به الأوطان في كل الدنيا وعبر التاريخ هي منجزاتها المادية والمعنوية، وكل هذه المنجزات إذا لم تجد بيئة صحيحة من التكريم ستكون طاردة للإبداع، ولا يحقق هذه المنجزات إلا الإنسان، ولعمري إن وطني يحب أبناءه ويُقدِّرهم، وهذا ما نتوقعه في المستقبل القريب للمخلصين.