جولة: محمد العوني ثلاث كسارات تعمل حالياً.. و38 كسارة تقدمت بطلب الحصول على موقع في المخطط الجديد. رئيس البلدية السابق رفض إنشاءها قبل 14 عاماً.. وجاء الحالي فسمح بها. الغبار الصادر من تكسير الحجارة مشبعٌ بعناصر ومعادن ثقيلة تؤثر سلباً على الجهاز التنفسي. «تنتظر القويعية كارثة بيئية، ونناشد المسؤولين سرعة التدخل لرفع الضرر، وسحب كل تراخيص الكسارات العاملة في أعتاب المحافظة»، كانت تلك العبارة اقتباساً من شكاوى وصلت «الشرق» تشرح ما يعانيه أهالي محافظة القويعية والمراكز المجاورة لها من انتشار «الكسَّارات» حولها، مبينين أنهم خاطبوا عدة جهات حكومية لإيقاف العمل في هذه الكسارات ورفع الضرر الذي حل بالسكان المجاورين. ثلاث كسارات محمد العوني بدورها، توجهت «الشرق» إلى الموقع استجابة لواجب المهنية وتلبية لدعوة الأهالي، حيث أجرت جولة ميدانية على أطراف المحافظة، ورصدت أن الكسَّارات تقع في منطقة تسمى «أم الفهود» بمحاذاة الطريق السريع، وتبعد عنها أقل من كيلو متر واحد، فيما تبعد عن مركز «محيرقة» المأهول بالسكان، الذي يضم كل الخدمات من مدارس ومستوصف ومركز للشرطة، حوالي أربعة كيلو مترات، وبحسب لوحات تحديد المسافات على الطريق السريع، فإن الكسارات تبعد عن محافظة القويعية 37 كيلو متراً، فيما اتضح من خلال الجولة وجود ثلاث كسارات تعمل في الموقع، وقد أحيطت بسياج أمني وبوابات للدخول. التصوير ممنوع والتقت «الشرق» خلال جولتها في القويعية والمراكز المحيطة بها عدداً من الأهالي، واستمعت لشكواهم، وحصلت على صور من وثائق ومخاطبات وجهوها للجهات الحكومية المختلفة. وذكر أحد العمال المكلفين بحراسة موقع شركة يضم إحدى الكسارات «تحتفظ «الشرق» بكل المعلومات»، أنه مكلف بحراسة الموقع، وعدم السماح بدخول غير العاملين فيه، وأضاف أن الأرض حكومية وليست ملكاً للشركة، وأن الكسارة تعمل فيها بتصريح نظامي منذ خمس سنوات، مؤكداً أنه لم يصلهم أي توجيه بإيقاف العمل، وأن الكسارة تقوم بعملها المعتاد حالياً، كما تقوم عدة شاحنات يومياً بنقل حمولات من الحجارة المكسرة إلى مقر الشركة في الرياض. قرارات سريَّة وقال مواطن من محافظة القويعية «فضل عدم ذكر اسمه»: بدأت قصة كسارة القويعية عام 1419ه أثناء البحث عن موقع لمجمع يضم جميع الكسارات، وتم اقتراح موقع غرب المحافظة يسمى «أم الفهود» الذي يمتلئ بالآثار التاريخية والطبيعة البكر، حيث صدر خطاب رسمي برقم 101/3/12349 وتاريخ 20/3/1419 ه من قبل نائب أمير منطقة الرياض- آنذاك- الأمير سطام بن عبدالعزيز، موجَّه لوزير البترول ولمحافظ القويعية عبدالعزيز الجرباء، الذي أحاله من جهته لرئيس البلدية محمد الشايع، حيث رفض المقترح رفضاً قاطعاً لضرره على المحافظة والآثار الكارثية على البيئة والإنسان قبل ذلك، وانتهى الموضوع، وجرى البحث عن موقع آخر ليستقر الاختيار على موقع قريب من طريق الحصاة، ولكن تم تحريك وإحياء الموضوع من جديد وصدرت برقية من إمارة منطقة الرياض برقم 6020 في 1433/6/15ه بطلب تحديد مجمع للكسارات في محافظة القويعية، وشُكلت لجنة، واجتمعت وقررت سراً، وأُرسلت برقية من محافظ القويعية برقم 365 وتاريخ 1433/7/5ه تتضمن قرار اللجنة بعدول رئيس البلدية عن رفضهم السابق قبل 14عاماً، والموافقة على تحديد مجمع للكسارات بالقرب من المحافظة، ثم صدر خطاب نائب أمير منطقة الرياض برقم 7338 في 7/7/ 1433ه خلال أقل من 48 ساعة من ورود خطاب القويعية، جاء فيه «حيث سبق أن اجتمعت اللجنة وتم اختيار موقع «أم الفهود» ليكون مجمعاً للكسارات، إلا أن البلدية تحفظت على هذا الموقع في بادئ الأمر، ثم عدلت عن رأيها ورأت الموافقة على اختياره…» وورد في آخر الخطاب فقرة الالتزام بتركيب الفلاتر والكمامات. 38 طلباً جديداً وأوضح المواطن أن الموقع يبعد بضعة كيلو مترات عن القويعية ومزعل والجفارة والخنقة والخالدية والقويع، ومتاخم لأعلى القويع والمشعر ومحيرقة والنسق ومرغان والسرداح ونخيلان، ويقع بمحاذاة طريق الحجاز، ويعد مدخل القويعية الغربي، ويبعد عنها نحو 20 كيلو متراً، وقال «بالتأكيد فإن عمل هذه الكسارات يسبب انخفاضاً في مستوى الرؤية، وبالتالي يتوقف الطريق خصوصاً في ساعات الليل. وقال: إن لديه علماً عن تقدم 38 كسارة بطلب الحصول على موقع في المخطط الجديد للكسارات، منها سبع من الدوادمي وثلاث من عفيف، وثلاث من شقراء، وأربع من وادي الدواسر، وغيرها، متسائلاً «لماذا رفضت بلدية القويعية الموقع أيام رئيسها الأسبق محمد الشايع، وعدلت عن رأيها بعد 14 عاماً أيام رئيسها الحالي فهد الحربي، هل انخفض الوعي البيئي والصحي لدى المسؤولين، أم أن هناك تعاملات من تحت الطاولة، هل رئيس البلدية الحالي جاهل بمخاطر هذه الكسارات، أين هيئة السياحة عن صيانة الآثار الموجودة في «أم الفهود» والمخاطر التي تحدق بها». لجنة غير مؤهلة وحول اشتراط الوزارة على الكسارات تركيب فلاتر لتنقية الأجواء، قال: «لا تصدقوا أنهم سيركبون فلاتر، لسبب بسيط هو كونها مكلفة جداً، وقد يركبونها أول مرة ولن يغيروها لسنوات بعد ذلك، ومراقبو البلدية ليس لديهم أي خبرة أو علم بآلية المراقبة أو كيفية عمل تلك الفلاتر»، مطالباً رئيس البلدية بعدم التنصل من مسؤوليته بإسناد الأمر إلى لجنة غير مؤهلة، حسب وصفه، وأضاف «يجب عليه رفض منح تراخيص العمل، ولا عيب أن يعدل عن رأيه السابق، وعليه أن ينحاز إلى مصلحة المواطنين والأهالي». أزمات صحية عبدالرحمن الصالح وقال المواطن عبدالرحمن محمد الصالح، الذي يسكن مركز القويع، إن الكسارة تبعد عنهم نحو كيلو مترين فقط، مشيراً إلى أنها تسببت في بعض المشكلات الصحية لأبنائه وأبناء جيرانه، مفيداً بأنه يراجع بأبنائه المستشفى بصورة مستمرة بسبب أزمات في التنفس، كما تسببت في أضرار في مزرعته وفي المراعي القريبة منهم، وأصبحت أغنامهم لا تصل للأشجار والمراعي بسبب كثرة الحفر، وبالذات تحت الأشجار الصالحة للرعي، وقال إن الأجواء دائماً تكون ممتلئة بالغبار المتصاعد من الكسارة، وأكد أن الكسارة حالياً تعمل ليلاً ولا تتوقف عن العمل، مطالباً بإبعاد الضرر عنهم وإيقاف عمل هذه الكسارات. ضرر متعدٍّ مفلح شرثان وقال المواطن مفلح سعد بن شرثان، الذي يسكن مركز السرداح، إن الكسارة تبعد عنهم أقل من 1500 متر فقط، مبيناً أنهم يتأذون منها بشكل كبير، وإن زوجته ترقد منذ أكثر من أسبوع في مستشفى القويعية بسبب إصابتها بالربو، وأضاف أنه يفكر جدياً في ترك منزله والابتعاد عن الكسارة والانتقال للسكن بالإيجار في محافظة القويعية، كما أفاد بتعرض إحدى السيدات في المنطقة بتليُّف في الكبد نتيجة تلوث الجو، موضحاً أن ضرر الكسارة لم يقتصر على السكان فقط، بل تعداه إلى مرتادي الطريق السريع الذي يربط الحجاز بالرياض والشرقية ودول الخليج، حيث تتوقف الحركة على الطريق السريع عدة مرات، وتتسبب مرات أخرى في حوادث مرورية نتيجة انعدام الرؤية بسبب كثافة الغبار الصادر عن الكسارات. حوادث مؤلمة وأكد المواطن فهد عايض القحطاني، الذي يسكن حي الروضة غربي محافظة القويعية، أن الكسارة تقع وسط مجموعة من القرى والهجر التي تحيط بها من كل الجهات، مشيراً إلى أنها تبعد عن حي الروضة حوالي كيلو متر واحد فقط، وأضاف «أصيبت عمتي بتليف في الكبد بسبب تلوث الجو، وكثيراً ما تتسبب الكسارة في انعدام الرؤية على الخط السريع، الأمر الذي يؤدي أحياناً إلى حوادث مؤلمة»، مؤكداً مشاهدته لغبار أبيض يغطي الأعشاب والمراعي القريبة، وأضاف أن أعمال الكسارة تسببت في إحداث حفر في المنطقة تتربص بأبنائهم ومواشيهم، وأغلقت مجاري الأودية، وقال «أصبحنا نخاف على أبنائنا وقت هطول الأمطار خشية أن يقعوا في تلك الحفر، مؤكداً أن الكسارة تعمل حالياً في أغلب الأوقات، وعلى مرأى من الجميع، وأشار إلى تقديمهم عدة شكاوى لإمارة الرياض ووكيل وزارة البترول والثروة المعدنية والهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة، دون أن يتغير شيء على أرض الواقع. معادن ثقيلة علي عشقي من جهة أخرى، أكد أستاذ علم البيئة في كلية البحار في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة الدكتور علي عدنان عشقي، أن الغبار الصادر من تكسير الحجارة أثناء عمل الكسارة يحوي عدداً من العناصر الكيميائية والمعادن الثقيلة الملوثة، مثل الكبريت والخارصين والرصاص، التي تنتشر في الجو وينقلها الهواء للتجمعات السكنية، محذراً من كونها تؤثر بشكل سلبي على الجهاز التنفسي، وأنها مواد خطرة جداً على الإنسان والحيوان «كرر الدكتور عشقي كلمة (جداً) أكثر من مرتين»، وأشار إلى أن التعرض لها بشكل مستمر يسبب مشكلات صحية بليغة للسكان. وشدد الدكتور عشقي على ضرورة أن تكون تلك الكسارات بعيدة عن المدن والتجمعات السكنية، وقال «من الخطأ الفادح أن تكون قريبة من النطاق العمراني، وأقل شيء يمكن أن يكون مقبولاً هو بعدها بقدر خمسين كيلو متراً عن أقرب نطاق عمراني لخطورة الغبار المتصاعد منها، مشيراً إلى أن الحجارة التي يجري تكسيرها تمتلئ بالعناصر الضارة، ومؤكداً أن من المفترض ألا تكون هناك كسارة في أي مكان في العالم إلا وفقاً لمواصفات خاصة وتحت رقابة مستمرة من قبل الجهات المعنية المتخصصة، ولابد أن تحوي فلاتر خاضعة للفحص والصيانة بصورة شهرية، لافتاً إلى أن الفلاتر تخفف نسبة المخاطر 70% بينما لايزال خطر الكسارة قائماً، وقال «لو افترضنا أن الكسارة كانت في الربع الخالي وليس حولها نطاق عمراني فلابد أيضاً أن تحوي فلاتر لحماية البيئة، فكيف وهي تقع قريبة من التجمعات السكانية». قرار الإيقاف من جهته، أكد مصدر ل «الشرق» في محافظة القويعية تلقيهم خطاباً من إمارة منطقة الرياض يتضمن توجيهاً بإيقاف الكسارات العاملة في الموقع، ومنعها من مزاولة العمل، وتغريمهم، وكتابة إقرارات عليهم بعدم عودة العمل في الموقع، وإصلاح الطرقات التي تسببت في إتلافها وإغلاقها، مضيفاً أن المحافظة والشرطة قامتا بدورهما واستدعتا المسؤولين عن الكسارات، وألزمتاهم بتسديد غرامات مالية وإيقاف العمل في جميع الكسارات العاملة في الموقع حتى تعديل وضعها بشكل نظامي، موضحاً أن موضوع موقع الكسارات تمت مناقشته منذ أكثر من عشر سنوات، ودارت حوله عدة معاملات وشُكلت لجان كثيرة اطلعت على الموقع. ويتداول أهالي القويعية معلومات تفيد بقيام شخصية مسؤولة بمنح استثناءات من جهة حكومية معنية لعددٍ منتقَى من أصحاب الكسارات لمواصلة العمل في الموقع، بالرغم من صدور قرار واضح بإيقاف أعمالها، مشيرين إلى أن الشخصية المسؤولة شريك لأحد ملاك المؤسسات التي صدر لها استثناء بالعمل في الموقع. الجهات الرسمية د.إبراهيم المهنا «الشرق» تواصلت مع رئيس بلدية القويعية ومحافظ القويعية ورفضا الإدلاء بأي تصريح بحجة أن الموضوع لدى إمارة الرياض، وهي مَنْ تتحدث عن الموضوع. كما وجهت «الشرق» خطاباً للمستشار الإعلامي بوزارة البترول والثروة المعدنية الدكتور إبراهيم المهنا، منذ أكثر من عشرة أيام، ولم تحصل على الرد حتى نشر التقرير، مع حصولها على وعود يومية لأكثر من أربعة أيام متواصلة من قبل مدير مكتب المستشار بوصول الرد نهاية دوام كل يوم، إلا أن شيئاً من ذلك لم يكن. معايير لابد من توافرها للكسارات: * تبعد ما لا يقل عن خمسين كيلو متراً عن أقرب نطاق عمراني. * تحوي فلاتر خاضعة للفحص والصيانة بصورة شهرية. * تراعي حركة الرياح في تحديد موقعها. * الفلاتر تخفف نسبة المخاطر 70%. حارس موقع الكسارة يشير إلى «الشرق» بمنع التصوير لوحة تظهر تصريح وزارة البترول مدرسة محيرقة للبنين تبعد أقل من أربعة كيلو مترات عن الكسارة خطاب موجه من سكان القويعية إلى رئيس عام الأرصاد وحماية البيئة .. وآخر موجه لمحافظ القويعية