عبدالصمد حمود فى زماننا كنا نتسابق من يحظى بخدمة والده وقت راحته، إذا اتجهنا إلى المسجد لأداء الصلاة لا نتقدمه، بل نمشي خلفه، وعند ذهابنا إلى المدرسة نقبل يده ورأسه، وعند مناجاته لأحد منا نقوم فى أسرع وقت نحوه والاستماع له بكل أدب واحترام، لا نعصي له أمراً، وكذلك الوالدة، نقتدي بتوجيههما ونستمد منهما النصح، نجلهما ونحترمهما. انظر إلى زماننا هذا، ماذا ينشر فى الصحف؟ أبناء يحجرون على مال أبيهم، أبناء يقومون بضرب آبائهم، لا احترام ولا اهتمام لكبير السن منهم إذا أصابه مرض، لا اهتمام به بل يتخلصون منه بإسكانه دار المسنين. حضرت صلاة الجمعة فى أحد مساجد جدة، وكان موضوع الخطبة عقوق الوالدين. بدأ الخطيب الخطبة بالحث على طاعة الوالدين، وعدم عصيانهما، واستشهد على عقوق الوالدين بحادثة وقعت فى أحد المحاكم حسب رواية أمام المسجد. وهي أن أباً وولديه راجعوا المحكمة وقابلوا القاضي وتناقش الابنان مع القاضي واحتد النقاش بين الأب وولديه أمامه، فما كان من أحد الابنين إلا أن انتزع الحذاء من قدمه وضرب والده على وجهه أمام القاضي، فغضب القاضي وقام بضرب المعتدي على أبيه ضربا شديدا، ولم يتركه إلا بعد أن تدخل الأخ الآخر وقام بطرده من مكتبه.انظر إلى أين وصل أبناؤنا؟ إلى غير ذلك من الشواهد، كلام يقشعر منه البدن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فكلمة (أف) محاسب عليها من الله سبحانه وتعالى. قال الله تعالى فى كتابه العزيز: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالولدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا). (سورة الإسراء 23-24). قد يتبادر إلى الذهن لماذا انتهج بعض أبنائنا هذا النهج؟ كل ما سبق ذكره، يمكن أن يرجع إلى طريقة تربية الأب لأبنائه، هل كانت تربيته متصفة بشدة حتى انعكس على الأبناء كرههم له ويعاملونه مثلما عاملهم؟ فخير الأمور الوسط فى مثل هذه الحالات لأن الاعتدال فى التربية يعكس أبناء على مستوى من العلم والمعرفة والبر والصلاح. عن النعمان بن بشر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يبروكم (الجامع الصغير، ص122) وربما يعود ذلك إلى ما تبثه وسائل الإعلام الموجهة لتفكيك المجتمعات المسلمة المحافظة، وذلك عن طريق بث مسلسلات تتنافى مع معتقداتنا وعاداتنا التى تربينا عليها. ومعالجة تلك السلبيات تكون بالتواصل المستمر بين المدرسة والمنزل، كما أن دور الأب والأم فى التحكم بما يفيد وما لا يفيد ما يشاهده الأبناء. والأمر الآخر الذي يفاقم من ظاهرة العقوق هو تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات في مجتمعاتنا التي لا تألو قيادتنا الرشيدة جهدا في تفكيك عصاباتها والبؤر التي تتسابق لنشر هذه الآفة المدمرة للمجتمع، فضلاً عن أصحاب السوء. كل هذا، وغالبية الشباب والحمد لله على خلق عالٍ ولهم مكانتهم فى المجتمع، يحتلون مراكز مرموقة يبثون من خلالها الفضيلة التي تساعد على تأمين المجتمع من تلك المهلكات. أرجو من المولى -عز وجل- أن يصلح أولادنا وأولاد المسلمين جميعا إنه سميع مجيب.