أبدت مصادر أمنية وقضائية وحقوقية تخوفها من الزيادة المطردة في حالات عنف الأبناء ضد آبائهم التي تصل إلى أروقة الشرط والقضاء، معتبرين هذه الزيادة مؤشراً خطراً ينبئ بنشوء ظاهرة جديدة بات من الواجب على الجهات ذات العلاقة التوقف عندها ومعالجتها قبل أن تتفاقم إفرازاتها. وعلى رغم أن النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز أصدر القرار رقم 1900 والقاضي باعتبار «عقوق الوالدين» من الجرائم الكبرى التي توجب التوقيف، إلا أن رحمة زرعت في قلوب الآباء تحد من تطبيق هذا القرار وتفعيله بشكل كامل للحد من تزايد حالات عنف الأبناء ضد آبائهم. بحسب قول خبير أمني ل«الحياة». وأكد مصدر «الحياة» الأمني (فضل عدم ذكر اسمه) هذه الزيادة في مشكلات عنف الأبناء ضد آبائهم، وقال: «تسجل شرط المحافظة يومياً مثل هذه الحالات. إلا أنها تنتهي غالباً في مركز الشرطة، ولا يتم تسجيلها رسمياً في المحاكم وهيئة التحقيق والادعاء العام، بطلب من الوالدين، إذ يرجوان من رجال الشرطة تخويف الابن العنيف مع عدم تصعيد الأمر إلى خارج المركز، ونحن نساعدهما على ذلك بحجز الأبناء العاقين في التوقيف مدة يوم أو يومين بغية تأديبهم». وأضاف: «بعد ذلك وباتفاق مع الوالدين، نأتي بالجميع ونعقد صلحاً، ونوضح للأب أسباب عنف ابنه وتغير وضعه إذا أمكنّا معرفة ذلك، إذ إن الكثير من الآباء لا يعرفون مشكلات أبنائهم، وأحياناً يتضح أنه مدمن على المخدرات ووالديه لا يعرفان عن ذلك شيئاً». وشدد على زيادة حالات العقوق حالياً مقارنة بالأعوام السابقة، «في الماضي لم تكن تسجل مثل هذه الأرقام في شكاوى العقوق، أما الآن فقد اختلف الأمر كثيراً إذ بات من المألوف أن نسجل في مركز الشرطة الواحد ثلاث حالات عقوق أسبوعياً». وفي السياق ذاته، صادق القاضي في محكمة الاستئناف محمد مرداد على زيادة قضايا العقوق بقوله ل «الحياة»: «كثيراً ما تنظر المحاكم السعودية قضايا العقوق، ونستطيع أن نقول إنها زادت على الأعوام الماضية، ولعل أسبابها تعود إلى الإدمان أولاً وأخيراً إضافة إلى سوء التربية». بينما أوضح أستاذ القانون والمستشار القانوني بهيئة حقوق الإنسان الدكتور عمر الخولي أنه إذا ارتكب أحد الأبناء جريمة عقوق لأي من والديه ورغب الأب في اتخاذ إجراء رسمي، فعليه التوجه إلى قسم الشرطة المختص للإبلاغ عن الواقعة، وجرائم عقوق الوالدين من الجرائم الموجبة للتوقيف بقرار رقم 1900الصادر من وزير الداخلية، إذ أصبحت من الجرائم الكبرى الموجبة للتوقيف ومن حق الشرطة احتجاز الابن وإحالته خلال 24ساعة إلى هيئة التحقيق والادعاء العام لتتولى التحقيق، وإذا ثبت لديها عقوقه تقوم بإحالة المتهم إلى المحكمة الجزئية. وغالباً ما تكون العقوبات تعزيرية تخضع لتقدير القاضي ورؤيته لما تستحقه الواقعة من عقاب». وأشار إلى أن العقوق له أكثر من مظهر (الخروج عن الطاعة والتلفظ بألفاظ وأعلاها وأكبرها الاعتداء بدنياً على أحد الوالدين)، قال: «منذ 15 عاماً لم نستقبل قضايا عقوق والدين أو حتى أن نسأل بها إلا في خلال السنوات الأخيرة ولا نبالغ إن قلنا أنها تكاد تتحول إلى ظاهرة»، مرجعاً أسبابها إلى ضعف التربية والفضائيات التي أسقطت الكثير من الثوابت التربوية بين الجيل، والإدمان من أهم الأسباب الرئيسة للعقوق. وفي سياق ذي صلة، قال رئيس المحكمة العامة القاضي إبراهيم القني ل «الحياة»: «لدينا القليل من قضايا العقوق ،إذ إن أكثر القضايا المنظورة لدينا قضايا نفقة، أما غير ذلك فتحول للمحكمة الجزئية وقد يحاولون الإصلاح قبل أن تحول للمحاكمة». وشدد على أن أكبر عقوبة يواجهها العاق إن توفى تتمثل في أن يحرم من الجنة «فالله أمرنا بأن لا نقل لهما أف ولا ننهرهما، فما بالك بمن يشتم الوالدين أو يعتدي عليهما بالضرب». إلى ذلك، ذهب المشرف العام على فرع جمعية حقوق الإنسان في منطقة مكةالمكرمة الدكتور حسين الشريف إلى أن قضايا عقوق الوالدين تعتبر من القضايا النادرة، ورفض اعتبارها ظاهرة.