الذين ينتقدون قرارات الدولة بشأن المرأة، وآخرها صدور الأمر الملكي الكريم بتعيين ثلاثين سيدة عضوات في مجلس الشورى، يتذرَّعون بالدفاع عن الشريعة الإسلامية التي قامت المملكة عليها. لكن الوصف الدقيق لهذا الدفاع هو أنهم يتبنون رأياً فقهياً متشدِّداً يتفرَّع حصاره للمرأة وإغلاق المنافذ دون عملها ومشاركتها الاجتماعية ومسؤوليتها التي كرّمها الله بها إلى جنب الرجل، عن موقفهم العام في النفي لأي رأي فقهي إسلامي مختلف حتى من داخل مذهبهم الفقهي. هذا الرأي الفقهي المتشدد في تجلياته المشهودة في الأيام القليلة الماضية تجاه القرار، لم يقف عند حد الفقه نفسه، أعني الوصول بالاستدلال إلى حكم بهذه الصفة، بل جاوز ذلك إلى الإعلان عن الحكم المتشدِّد بوصفه الرأي الشرعي الإسلامي الذي لا رأي لدى الفقهاء والعلماء غيره. ومن ثم الإنكار على القرار، والتجمّع من أجل الاعتراض عليه، وإصدار بيان شارح لمرتكزات هذا الاعتراض ومستنداته التي يصفونها ب»الشرعية». ولأنه غير سائغ بالمنطق الفقهي الشرعي الذي يستندون إليه، الإنكار في مسائل الاختلاف (هذا إن كان هناك اختلاف أصلاً) ولأن اختيار ولي الأمر يرفع الاختلاف، فإن البيان يرتِّب تعيين المرأة في مجلس الشورى في خاتمة سلسلة يصفونها ب»المخالفات» تأخذ فيها قرارات «إلغاء كيان تعليم البنات» و»تعيين امرأة نائبة لتعليم البنات» وتوظيف النساء في ما يصفونه ب»وظائف الاختلاط»… إلخ حلقات متتابعة ومتواصلة في الوقت نفسه مع «مخالفات» يسمونها «الانفلات الثقافي» في معارض الكتب والنوادي الأدبية والصحف و»مزاحمة القانون لكليات الشريعة» والابتعاث… إلخ إضافة إلى استجلاب أخرى مثل قولهم: «التطبيق الواضح المتدرج لما قضت به اتفاقية داكار من فرض الاختلاط بحلول عام 2015م». وبذلك يخيِّل البيان مؤامرة واستدراجاً لإخراجنا من ربقة الشريعة بحيث يبدو وجود المرأة في مجلس الشورى، باندراجه في السلسلة لا انفراده عنها، القشة القاصمة لظهر البعير! والأمر لا يقتصر على هذا التعداد والتَّكثير والسَّلْسَلة، فما يزال أكثر ما يثير استغراب الناظر في البيان النص على أن «من الأعضاء نساء ورجال ذوو سمعة سيئة، ما عُرِفوا باستقامة المنهج ولا سلامة الفكر، ولا الاعتدال في الطرح، ولم يعرفوا بالتحمس لمطالب المجتمع ومصالح أفراده. فمن ثم فهم لا يمثلون المجتمع في ثقافته ولا هويته ولا تطلعات أفراده». ووجه الاستغراب هنا، أن من يحدِّد استقامة المنهج وتمثيل المجتمع – بهذا المنطق المذكور- هو من يملك الطعن في الاستقامة أو تزكيتها، ونفي التمثيل للمجتمع أو إقراره. وبذلك يصبح من غايات البيان تزكية أصحابه الموقعين عليه على حساب غيرهم! هكذا لا يصبح الاعتراض على تعيين ثلاثين سيدة في مجلس الشورى نتاج موقف فقهي متشدد فحسب، بل هو نتاج حسابات سياسية أيضاً. ولقد كان بوسع الموقعين على البيان السعي إلى مقابلة سماحة المفتي أو أعضاء هيئة كبار العلماء، والاستماع إليهم، فالرأي الفقهي الرسمي موكول إليهم. أما المجاوزة لذلك فهي خروج من منطق الفقه إلى منطق السياسة، وحين تُتَنَازع السياسة بالدين، فإن الفتنة تطل برأسها المتوحِّش حمى الله بلادنا من شر الفتن!