القاهرة – هيثم محمد مسوّدة لقانون التظاهر تضمنت تقييداً واضحاً لحرية التظاهر والاجتماع والإضراب بشكل يفوق قيود عصر مبارك. عبدالعليم: في ظل حكم الإخوان نحن لا نملك رؤية.. ودولة تسير بلا رؤية هي دولة تسير إلى الهاوية. بخيت: عندما تأتي سلطة هي ضحية الاستبداد فمن الطبيعي أن لا تدرك معنى الحرية ولا قيمتها. بكر: المواطن المصري تحرّر من فكرة الخوف.. ونحتاج إلى فكرة الحرية المؤسسية التي تأتي بدعم من الدولة. عبدربه: لابد أن يفهم التيار الإسلامي أنه لم يمنح الحرية وبالتالي ليس له الحق في منعها. 1. جدار الخوف كسره المصريون بلا رجعة 2. ثورة وجوه لا سياسات 3. العدالة الإجتماعية.. الفقر على ما هو عليه 4. نسمات الحرية في مصر تخشى التضييق عامان على الثورة في مصر، ولايزال المصريون يبحثون عن «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية»، وهي نفس محتوى الشعارات التي رفعوها في ميدان التحرير ومختلف المدن المصرية وإن اقترنت بمزيد من شعارات القصاص. عامان من الثورة لم يكونا كافيين لتغيير واقع حياة ملايين المصريين الذين انتفضوا لتغيير واقعهم الحالك الذي لايزال في نظر كثيرين لم يتغير. عامان شهدا عاماً ونيفاً من حكم مجلس عسكري من رفقاء مبارك، ثم أشهراً من حكم رئيس إسلامي منتخب لم تُرضِ طموحات الثورة، خاصة مع انتهاجه نفس أدوات وأساليب حكم سلفه الذي ثارت الجموع عليه. عامان من الثورة والاضطراب والغضب والطموح وكثير أيضاً من العنف والدماء والنحيب. عامان سقطت فيهما هيبة السياسة وربما الدولة مع تهاوي جدار الخوف برفقة ضحايا شباب بل وأطفال، رسم زملاؤهم من مجموعات الألتراس أسماءهم وحكاياتهم على الجدران في رسومات تسمى «جرافيتي»، مثّلت صرخة عالية على واقع لا يريد أن يتغير ربما للأبد. تعدّ «الحرية» ثاني شعارات الثورة المصرية وأبرزها انتزاعاً وأقواها صدى وأعلاها صوتاً وأكثرها تحقيقاً وأقربها تضييقاً وأعنفها مقاومة، ربما هي وقود كل غضب آتٍ وتمرد قادم في مصر التي ترفض ميادينها وشبابها بشتى الطرق كل محاولات التضييق أو القمع أو الارتداد لعصر مبارك. ورغم أن قدر الحريات الذي انقشع عنه غبار نظام مبارك بعد الثورة كبير للغاية مقارنة بالمتاح قبل عامين وعبر عقود قبلها، إلا أنه يبقى غير مقنعاً لكثير من المصريين الذين جازفوا بأرواحهم لتحقيقه، الخوف من الارتداد عن نسمات الحرية التي هبّت على حياة المصريين تضاعف بعد وصول التيار الإسلامي المحافظ لسدة الحكم عبر الرئيس محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وعبر السيطرة على المجالس النيابية المنوط بها إصدار القوانين، التي يخاف مناصرو الثورة على تقييدها الحريات مجدداً. اللافت في ثورة الحريات في مصر، أن الحرية في مصر لم يمنحها أحد، بل انتزعها المصريون انتزاعاً، ففترة عامين من الثورة منحتهم حقوقاً عدة أبرزها «حرية الرأي والتعبير» الحق في التظاهر والإضراب، وحرية إنشاء الأحزاب والصحف، وهي كلها حقوق كانت منتقصة وربما غائبة تحت حكم مبارك، مع وضع خطوط حول القدر المتحقق من حرية العقيدة في مصر. وتضاعف عدد الأحزاب السياسية في مصر من 24 حزباً، معظمها هياكل كرتونية، في آخر أيام مبارك، إلى نحو سبعين حزباً بعد عامين فقط من الثورة. الرئيس عُرضة للانتقاد ويبيّن الناشط الحقوقي البارز أحمد سميح، مدير مركز أندلس لدراسات المفهوم العام للحرية، قائلاً ل«الشرق»: «الحرية هي أن تفعل ما تريد في حدود القانون وحدود الطبيعة والناموس الإنساني دون أي حساب لضغوط المجتمع ومطاردة الحكومة للحرية، ولكن كل هذا بشرط أن لا تتعدى على حقوق الغير ولا يتم ضرر غيري». ويعتقد الدكتور أحمد عبدربه، أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد في جامعة القاهرة، أن وضع الحريات في مصر مقارنة بما قبل الثورة يعدّ أفضل، وأنها ليست بقدر السوء الذي يصوره البعض، وقال عبدربه ل«الشرق»: «لم يكن من المنتظر أن يوجد برنامج مثل برنامج باسم يوسف -المذيع الساخر- الذي يتمتع بمساحة كبيرة وغير مسبوقة من الحرية». لكن عبدربه شدد على أن «قدر الحرية المتوافر حالياً لم يعطِها أحد للمصريين.. المصريون انتزعوها بفضل ظروف الثورة». وانتشرت في الفترة الأخيرة برامج ساخرة أبرزها برنامج باسم يوسف الساخر، الذي ينتقد التيار الإسلامي والرئيس المصري بشكل ساخر وغير مألوف بالنسبة للمصريين، ما عرّضه لبلاغات قضائية ومحاولات لمنع برنامجه. ومع ارتفاع سقف الحرية بشكل كبير، أصبح الرئيس عرضة للانتقاد في جميع الصحف والبرامج التليفزيونية المعارضة بشكل واسع وكبير، وهو ما عرّض صحافيين وإعلاميين لبلاغات مماثلة من الرئاسة المصرية ومواطنين، يقول حقوقيون إنهم ينتمون للتيار الإسلامي. كتّاب ممنوعون من الكتابة وخلال الأسابيع القليلة الماضية، حُجبت مقالات رأي من النشر بسبب تناولها انتقادات لجماعة الإخوان المسلمين والرئيس المصري، وهو ما حدث مرات عدة في صحف مملوكة للدولة، خاصة بعد تغيير قيادتها الصحفية عبر التعيين من مجلس الشورى المصري، الذي يرأسه قيادي من حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للإخوان. وأكدت مصادر ل»الشرق» أن كتّاباً مصريين بارزين خلال حكم مبارك ممنوعون من الكتابة في الصحف المصرية بشكل قاطع، وأن هناك قيوداً شديدة على التعامل الإعلامي معهم. ويقول عبدربه «المعضلة الآن بخصوص الحريات أن بعض التيارات الإسلامية بدأت تتململ من الانتقادات وتأخذ الأمر بحساسية شديدة وتعدّها موجهة للدين»، متابعاً «طبيعة الحاكم الجديد من خلفية محافظة وبالتالي طبيعة القوانين الصادرة ربما تكون محافظة أيضاً». ويقول عبدربه «أسلوب السخرية إحدى وسائل المعارضة والرقابة الشعبية على الحاكم»، ويعتقد عبدربه أن التعامل مع ذلك النوع من المعارضة «الناعمة» يتطلب مواجهة بالمثل لا بالعنف. وقال عبدربه «لابد أن يفهم التيار الإسلامي أنه لم يمنح الحرية وبالتالي ليس له الحق في منعها.. الحريات منحتها سلطة الثورة»، لكنه أضاف «في حال وجود تجاوزات.. فليكن القانون هو الفيصل». وقال «قدر الحرية الحالي مقلق لأي نظام حاكم، لكن لابد أن يدرك الجميع أن هذه هي ضريبة الديمقراطية وضريبة المناصب العليا». ويعتقد عبدربه أن «أحداً لن يكون قادراً على خفض سقف الحريات. ومن سيحاول فعل ذلك سيخسر كثيراً.. ربما سيندلع غضب أو تمرد واسع». قلقٌ على حرية الرأي ولا ينص الدستور المصري الجديد على «عدم جواز حبس الصحافيين»، لكنه ينص على جواز «إغلاق الصحف ومصادرتها وإغلاق الفضائيات بحكم قضائي». وتفتح النصوص الدستورية تلك باباً لمعاقبة الصحفيين بنص الدستور. وهو ما تظاهر الصحفيون ضده مرات عدة كما قررت نقابتهم الانسحاب من تأسيسية الدستور للسبب ذاته. وأعربت الخارجية الأمريكية في ملخص يومي لها قبل أسبوعين عن قلقها من «تقييد الحكومة لحرية الرأي والنقد في الإعلام بزعم إهانة القادة السياسيين»، وأضافت «من الجوانب الأساسية لديمقراطية سليمة أن تكون الصحافة حرة في انتقاد الحكومة دون ملاحقة قضائية». لكن إسماعيل الوشاحي، وهو محامٍ منتمٍ لجماعة الإخوان المسلمين، قال «قدر الحرية بعد الثورة لا يمكن مقارنته بالحرية قبلها خاصة حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير»، لكنه أضاف ل»الشرق»: «القانون يفرق بين حرية الرأي والتعبير وبين السب والقذف والإهانة»، مشدداً على أن هناك إهانات بالغة توجّه للرئيس تستدعي تدخلاً قانونياً. منظمات المجتمع المدني وليس ببعيد عن الإعلام، فإن نطاق الحرية الممنوح لمنظمات المجتمع المدني، وأغلبها تدار عبر حقوقيين ليبراليين ويساريين، لم يتغير كثيراً بعد ثورة يناير، بل إن مشروع قانون لتقييد عملها وتمويلها جرى خلال حكم المجلس العسكري من رفقاء مبارك للبلاد في الفترة من فبراير 2011- يونيو 2012، لكن اللافت أن تلك المنظمات الحقوقية تعاني من تهميش كبير على المستوى الرسمي بسبب مواقفها في انتقاد الرئيس المصري ونظامه بتقاريرها التي تكشف أوجه القصور والسلبيات خاصة في مجالات حقوق الإنسان وانتهاكات الرأي والتعبير. وقال الحقوقي سميح، «نحن كمنظمات مجتمع مدني لم نشعر بأي حرية منذ اندلاع ثورة يناير، وحتى الآن لا يوجد أي تغيير لا على مستوى القوانين ولا على مستوى التفاهم مع الدولة». وأضاف سميح ل»الشرق»، «إن الحكومة الحالية تتعمد التعامل مع منظمات المجتمع المدني بشكل مهمل ولا تحاول تحسين وضع هذه المنظمات التي لعبت دوراً بارزاً في الثورة المصرية». وافتتح الرئيس مرسي السبت الماضي مؤتمراً يضم ممثلين لنحو أربعين منظمة مجتمع مدني، لكنه شهد غياب أبرز المنظمات الحقوقية. دولة بلا رؤية ويقول الكاتب أحمد عبدالعليم، وهو باحث سياسي توقّع وقوع الثورة في أول كتبه، إن «المتحقق من الحرية أقل من المأمول، والواقع أقل من المتوقع.. وهامش الحرية وإن زاد إلا أنه دون إدارة سياسية ناجحة لا يؤدي إلى تقدم»، وتابع عبدالعليم ل»الشرق»: «القصور في أننا -في ظل حكم الإخوان- لا نملك رؤية، ودولة تسير بلا رؤية هي دولة تسير إلى الهاوية». وأضاف «نحتاج مناخاً صحياً قادراً على صناعة الأمل، ترسيخ فكرة احترام الآخر مهما زاد حد الاختلاف، اختلاف دون خلاف.. الحرية في النهاية هي حرية إبداء الرأي منك ولك». المؤسف، أن حجم الحريات الذي انتزعه المصريون، استغله البعض بصورة سلبية في تجاوز لحقوق الآخرين، ويردد كثيرون حالياً لفظة «أنا حر» لدلالة على حقه في قول أو ممارسة ما يشاء حتى ولو كان مهيناً أو ينتهك حرية الآخرين. ويقول أحمد بخيت (24 عاماً – مهندس) ل»الشرق»: «الحرية كلمة ذات معنى كبير.. لكننا لانزال نجهل معناها الحقيقي». وأضاف بخيت، الذي شارك في الثورة وهتف بحماس من أجل الحرية قبل عامين، «بعد كل هذه السنين من الاستبداد.. عندما تأتي سلطة هي ضحية الاستبداد القديم من الأساس فمن الطبيعي أن لا تدرك معنى ولا قيمة الحرية ولا تحققها بسهولة». وتابع «لن يكون للحرية مكان إلا في مجتمع يعرف معناها وقيمتها». تقييد الحريات وقبل شهر، أقر المصريون في استفتاء شعبي من مرحلتين، دستوراً صاغته جمعية تأسيسية سيطر الإسلاميون عليها، ويقول معارضون إن الدستور الجديد أغفل حماية الحريات الرئيسة، وقوّض حقوق المرأة. وقبل أسبوعين، تداول نشطاء مسوّدة لقانون التظاهر، قال معارضون إنها مقدمة من الحكومة لمجلس الشورى، الذي يتولى سلطة التشريع لحين انتخاب مجلس النواب، وتضمنت المسوّدة تقييداً واضحاً لحرية التظاهر والاجتماع والإضراب بشكل يفوق قيود عصر مبارك. وتقول الدكتورة نهى بكر، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية، ل»الشرق»: إن «المواطن المصري اكتسب مجموعة من الحريات عقب ثورة يناير، لعل أبرزها التحرر من فكرة الخوف وهو ما ظهر في مواجهات الثورة، والتحرر من فكرة تأليه الحاكم وهو ما يظهر جلياً في خروج المعارضة للتظاهر في الشارع إذا اختلفوا مع قرارات الرئيس». لكن بكر تابعت «مازلنا نحتاج إلى فكرة الحرية المؤسسية، التي تأتي بدعم من الدولة، فلابد من وجود دستور ومجموعة من القوانين تؤسس قيمة الحرية وتظهر كيفية ممارستها للمواطن، كما من المفترض أن يوجد جهاز تشريعي وجهاز إعلامي يسمح للمواطن البسيط أن يوصل صوته للحاكم في حالة انتهاك حريته»، وتابعت «في الولاياتالمتحدة كل المؤسسات تعرف دورها وعملها تحديداً وفقاً للقانون الذي يحدد كل شيء.. وتوجد توازنات واضحة بين مؤسسات الدولة وسلطاتها التشريعية والتنفيذية، وهو ما يجعل الأمور واضحة في البلد، وهذا ما نتمنى حدوثه في مصر»، متابعة «نتمنى أن تكون الحرية مؤسسية في مصر». مواطن مصري كتب على جبينه مطالباً بالحرية معارضون للرئيس مرسي أمام المحكمة الدستورية لتأييد قراراتها (رويترز)