قال «أبو العِبر الكهكهانيُّ»: وأما الزميل «أبو الوليد البُحْتُرِيُّ»، والأزمل منه «أبو الطَّيِّب الكذاذيبي» فقد كانا -كما تعلمون- أول الحاضرين، ولكنهما اعترضا فوراً وبلا هوادة على مبايعة «حافظ» «لشوقي» بهذه الفهلوة «المصراوية»! ومع أن كليهما يرى أنه أحق من «شوقي» بإمارة الشعر، إلا أنهما اختلفا في الطريقة التي يجب أن ينتخب فيها رئيس الفرقة: فالبحتري يرى أن الشعر فن نخبوي، لا يفهمه إلا صفوة العقول، وأرقى المتذوقين، أما عامة القُرَّاءِ فهم كُمْبارس «لزوم الزفَّة»، بل إنهم أبناء عمومة «مَزَاين أم رقيبة»: إِذا مَحَاسِنِيَّ اللاتي أُدِلُّ بِها * كانت عُيُوبي، فَقُلْ لي: كيفَ أَعْتَذرُ؟ عَلَيَّ نَحتُ القَوافِي مِنْ مَقَاطِعِها * وليس عليَّ إذا لم تَفْهَمِ «البَقَرُ»! وأَيَّدَه بحرارةٍ عجيبة شاعر المدينةالمنورة/ «حسين عجيان العروي» قائلاً: حَتَّامَ تُوغِلُ؟ لا خَانَتْكَ قَافيةٌ * ولا تَثَاءَبَ في أَعْماقِكَ السَّفَرُ.. (بِضْعاً وسبعينَ) ما كَاتَبْتَ نَاحيَةً * إِلاَّ وكَاتَبَك المجهولُ والحَذَرُ ولَا تَرَامَتْ على عَيْنَيكَ أُمْنِيَةٌ * إلاَّ مَخَافَةَ ما يَأْتِي بِهِ القَدَرُ!! لا تظلمِ الليلَ .. إن الدَّاجياتِ هدىً * إذا انتَظَرْتَ مَآلاً ليس يُنْتَظَرُ! أما «الكذاذيبي» فرغم ثقته أنه سيفوز حتى بمقياس «لا فاش كيري»، لكنه يرى أن القارئ مهما كان عادياً فهو «نخبوي» فعلاً، من حقه أن يستحسن ما يشاء ويستقبح ما «يساء»؛ ولهذا فالإبداع العظيم يخاطب حتى من فقد أداة التواصل: أنا الَّذِي نَظَرَ الأَعْمَى إِلى أَدَبِي * وأَسْمَعَتْ كَلِمَاتِي مَنْ بِهِ صَمَمُ وَمَا الدَّهْرُ إِلاَّ مِنْ رُوَاةِ قَصَائِدِي * إِذَا قُلْتُ شِعْرَاً أَصْبَحَ الدَّهْرُ مُنْشِدَا فَسَارَ بِهِ مَنْ لَا يَسِيرُ مُشَمِّراً * وَغَنَّى بِهِ مَنْ لَا يُغَنِّي مُغَرِّدَا! ولهذا: أَنَامُ مِلْءَ جُفُونِي عن شَوَارِدِهَا * وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرَّاهَا ويَخْتَصِمُ! هنا هتف «نزار قباني»: ينصر دينك! أنا «هيك كمان»: يُعَانِقُ الشَّرْقُ أَشْعَارِي ويَلْعَنُها * فَأَلْفُ شُكْرٍ لِمَنْ أَطْرَى ومَنْ لَعَنَا! فتبسم الزميل الأمير/ «شوقي» من قولهم وأعلن قبوله إعادة الانتخابات! والسر في «ينصر دينك»! هل سيصوت «الخلق» لشاعر قيل: إنه لم يُصَلِّ ولم يَصُمْ ولم يَقْرَأَ القُرْآنَ قَطُّ؟ أم لشاعرٍ عُرِف بمدائحه الدينية، ومحاربته التبرج والسفور، و…»سقوط الخلافة»؟