في الدول الحديثة تفعل سياسة «السنوات الأربع» الكثير؛ لأنها تفرض الكثير. كلُّ مسؤول يعرف أنه مغادرٌ بعد سنوات أربع؛ سيضع في اعتباره الكثير. ولذلك يحرص مسؤولو السنوات الأربع على النجاح في هذه المدة القصيرة ليدخلوا جولة أخرى. على العكس من المسؤول الذي يمارس مسؤولياته في حالة من الاطمئنان إلى بقائه حتى سنّ تقاعده، أو حتى وفاته. في هذه الحالة سيتصرَّف مثل أيِّ موظف آخر يعيش ضمانة وظيفية وأماناً تاماً مِن إنهاء الخدمة، ما لم يرتكبْ جُرماً. ومع الركون للنمطية في الأداء والرُّوتين في الإنجاز؛ يبقى المسؤول مجردَّ صاحبِ دوامٍ، مثلُه مثلُ غيرِه. ولهذا أدخلت القيادة السعودية سياسة السنوات الأربع في أنظمتها الأساسيَّة، ليتمَّ تعيين الوزراء وأمراء المناطق وكبار المسؤولين لمدةِ أربعِ سنواتٍ، ويتمَّ تمديدُها بناءً على ما يقدِّمُه المسؤول من إنجاز. والقراراتُ الملكيَّةُ التي صدرت أمس صدرت في هذا السياق الذي يضع كلَّ مسؤولٍ أمام امتحانِ الزَّمنِ القصير؛ ليواجه التحدِّي مواجهة جادة وجازمة وحازمة ومنافسة. وبدلاً من أن يركن إلى الزَّمن؛ يُصبح الزَّمنُ خصمَه الأولَ ليتغلب عليه ويؤدي دوره المطلوب أمام دينه ومليكه ووطنه في السَّنوات القصيرة. وقد أثبتت هذه السياسةُ نجاعتَها مع مسؤولين استثمروا السنوات القليلة لصالح التنمية والخدمات، وقد تمّ تمديد خدمتهم احتراماً وتقديراً لما قدموه لوطنهم. كما أثبتت نجاعتَها، أيضاً، مع مسؤولين أخفقوا في فهم دورهم وترجمة خبراتِهم وإمكاناتِهم إلى إنجازٍ يراه النَّاسُ على أرض الواقع. إنه امتحانٌ للضمير، امتحانٌ للإمكانات، امتحانٌ للحقيقة التي يحملها المسؤول فيما تُقدِّم يداه لمن هو مسؤولٌ عن خدمتهم. وفي نهاية السنوات الأربع ثمة شهادةُ نجاحٍ أو ضعف، وهي واحدة من الإشارات على الدور الذي بذله المسؤولُ في سنواتِ خدمته. إنَّه التكليف الذي يعتبره بعض المسؤولين تشريفاً، والمحكُّ الذي يكشفُ عن معدن المسؤول في نزاهتِه وإدارتِه ومستوى وعيِه وفهمِه لدوره ومرحلته. وعلى هذا يخرج مسؤولون من مناصبهم محمَّلين بالشكر والثناء على ما قدموه على أرض الواقع من مشاريعَ وخدماتٍ يراها الناس بأعينهم، وتُترجم في مشاريعَ وبرامجَ ومنجزاتٍ. ويخرج آخرون على غيرِ ذلك.