من المؤكد أن العلاقة بين الثقافة والإعلام، وإن بدت متكاملة، أو أن كل طرف متمم للآخر، تؤكد وجود فرق واضح بينهما، وبينهما أمور متشابهات. قد يكون الإعلام عنصرا مهما في نشر الثقافة وتعميمها وموصلا لها، وربما كانت الثقافة جزءا مهما في المنتج أو المادة الإعلامية، لكنها ليست جزءا من الإعلام. ويفترض في الإعلام أن يكون التثقيف والتوعية من بين أولويات رسالته، لكن الثقافة يعيبها أن تكون بدافع إعلامي أو هدف دعائي. ويعاب على الثقافة أن تكون هدفا إعلاميا، أو تسير وفق خطة سياسة إعلامية. ونحن نرى اليوم التجربة التي نعاني منها بعد أن اقترنت الثقافة بالإعلام منذ أن انضمت الثقافة لوزارة الإعلام بمهامها ومسؤولياتها، ويرى المثقفون أنها أصبحت عبئا ثقيلا على وزارة الإعلام، ذلك لأن الثقافة كيان منفصل وهمومه أكبر من الإعلام، وآفاقه أرحب وأوسع، ورسالته أكثر سموا وأهمية. وإذا كان المثقفون قد أبدوا ملاحظاتهم وعتابهم القاسي على ما قامت به (الوزارة) وما تواجهه من صدام دائم ومعارضة شديدة من المثقفين، بدءا من انتخابات الأندية الأدبية، والقضايا التي تلاحق وكالة الشؤون الثقافية من بعض المتضررين، الذين تظلموا بشكاواهم للقضاء، وكذلك انتقادهم لأدائها في الترتيب لعديد من الفعاليات والملتقيات والأنشطة الثقافية المتعددة، بعد أن وضعوا عيونهم على نقاط الضعف والقصور، في أداءالعمل الثقافي، ويعود السبب في هذا إلى أن وزارة الإعلام، التي أصبحت الثقافة جزءا مهما ضمن اختصاصاتها ومسؤولياتها، لها نظامها الإداري البيروقراطي، وعلى الرغم من أن الثقافة مقدمة في المسمى، كوزارة مقدمة الثقافة على الإعلام، فإن الإعلام هوالأهم. العلاقة بين الثقافة والإعلام في حقيقة الأمر ليست هي علاقة تنافرية، ولكنها أيضا ليست علاقة توافقية أو تكاملية، لأن الثقافة كيان مستقل له همومه وآفاقه، وكذلك الإعلام منظومة لها رسالتها ومسؤولياتها، فالثقافة ضرورية لحضارة الأمم والشعوب، ولا يمكن أن يكون هناك مجتمع واع وقادر على التأقلم مع كل المتغيرات، في الوقت الذي لا توجد لديه قاعدة ثقافية راسخة، أما الإعلام، فلربما يكون مهما للنظام السياسي في الدولة، وهو مهم ضمن مخططاتها الاستراتيجية، إلا أن علينا أن ندرك أن هذه الاستراتيجية لا تكون قادرة على الاستيعاب والاستحواذ الكامل لتحقيق الأهداف الصحيحة إلا ضمن استراتيجية ثقافية متكاملة للدولة، وربما من هنا يبدو التنافر في ثنائية الثقافة والإعلام. في معظم دول العالم المتقدمة لا يمكن أن تكون الثقافة جزءا أو فرعا في وزارة أو هيئة عامة، بل إن كثيرا من هذه الدول، لا تهتم بوجود وزارة للإعلام، ولكن من الضروري أن تكون لديها وزارة للثقافة ذات كيان مستقل، لأن ثقافة المجتمع هي الأهم، وهي السبيل الوحيد للنهوض بالأمة، وهي عنصر مهم في خطط التنمية لكل دولة. أمة بلا ثقافة.. هي أمة بلا هوية ولا تاريخ. ونحن هنا نتساءل وهو سؤال يشغل بال المفكرين والمثقفين، بعد أن صدرت الموافقة السامية على إنشاء الهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون، وهيئة وكالة الأنباء السعودية، كجهازين مستقلين، لن تسأل الوزارة عن مشكلاتهما وما يلحقهما من انتقادات، فماذا يتبقى من الإعلام في الوزارة، سوى مهام الإعلام الداخلي، ومن ضمن مهامها التصاريح والمطبوعات. وهي مهام يمكن أن تضم للثقافة.. وتنفرد الثقافة باهتمامات الوزارة ومسؤولياتها.