الأحساء – غادة البشر نزار أخرج الشعر من الكتب إلى أفواه الناس لكنني لا أنتمي إلى مدرسته حمل الشاعر صلاح بن هندي، لقب «شاعر الأحساء الأول»، لثقافته المتنوعة وموهبته، التي جعلت انطلاقته الأدبية والشعرية مميزة. كتب الشعر والمقالة والقصة، وكان عدواً للمرأة، فأقصاها بعيداً عن حياته، ثم عاد يطوّع شعره للدفاع عنها، جامعاً التدين والتحرر، رافضاً ارتداء الأقنعة، فتم هضم حقه، وعانى من الشللية والإقصاء والمناطقية. «الشرق» التقت بن هندي في حوار جريء عن شخصيته الجدلية: * بداية، حدثنا عن تاريخ ميلادك كشاعر وأديب؟ - البداية كانت عام 1412ه، سبقها تعلق بكتب التراث الأدبي، وقبلها أيضاً حس قوي بالجمال والجرس الموسيقي، إلى أن انبثق الشاعر، كما يُبعث طائر الفينيق من رماد ناره. * تظهر ثقافتك المتنوعة جلية في كل ما تكتبه من شعر وأدب. حدثنا عن هذا الجانب من حياتك. - منذ صغري وأنا مولع بعالم المشاهير والعظماء، وكنت أحرص على قراءة سيرهم، وتسقط أخبارهم. شدني عالم الفنانين والرياضيين، وحين كبرت شدّني عالم العلماء والزهاد والعباد، وكان ذلك في فترة التدين التي مررت بها، وبعد ذلك صرت أهتم بسير الأدباء والمفكرين والفلاسفة، فقرأت سيرهم بنهم، وحفظت أقوالهم وطرائف حياتهم، وهذا واضح بشكل لافت في كتابي «ومزقت قناعي». * ومَنْ منهم أثّر في صلاح بن هندي؟ - شخصية الحسن البصري هي المؤثرة علي دينياً، وشخصية العقاد أدبياً، والدكتور علي الوردي فكرياً. * أيّ أغراض الشعر تحفِّز شاعرية بن هندي، كي تفيض، وما أكثر الأجواء والصور الاجتماعية التي تثير قريحتك الشعرية؟ - لعل غرضي الغزل والرثاء من أكثر الأغراض تحفيزا لي. كما أن النظرة الدونية للمرأة تحفزني على كتابة الشعر فيها، من خلال الثناء عليها، والهيام بها، فهي كائن ظلم من قبل الرجل كثيراً. * مع أنك أقصيتها سنوات من حياتك. بماذا تفسر هذه الازدواجية؟ - لا أنكر أنني وقفت من المرأة موقفاً عدائياً، لاسيما في فترة تديني، حين كنت لا أحتفي بها، وأطرب للكتابات التي تقف منها موقفاً سلبياً، لكنني رجعت لها بحب وشوق، ومَن يقرأ مقدمة ديواني «رقصة الفستان» يعرف ملابسات هذا الموضوع في حياتي. أما موقعها على خارطة الشعر، فهي تاجه وصولجانه. * يلاحظ المتابع لتغريداتك في تويتر وفيس بوك تعلق النساء بشعرك، فهل تنتمي لمدرسة نزار، وما هي مدرستك الشعرية؟ - قامة نزار فارعة وبعيدة عن منال مَن يحاول الاقتراب منها، وهذا ليس تقزيماً لمكانتي أمام قامته، لكنه جدّد في الشعر بشكل لافت، وإن كان سقراط أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض، فنزار أخرج الشعر من الكتب إلى أفواه الناس. أما أنا فلا أنتمي إلى مدرسته، بل أحاول أن أكتب بقلب وعقل صلاح. * الشعر المغنَّى أحد أهم أغراض الشعر التي أبدعت فيها، خاصة أن ثقافتك الموسيقية عالية، فلماذا أهملت هذا الجانب الحيوي من شعرك؟ - لم أهمله، ولكن القضايا التي أعالجها وأكتب فيها تحتم علي الكتابة في غيره، مع أن الشعر الغنائي لم يخلُ منه ديواني الثاني «رقصة الفستان». * يُتهم كثير من مثقفي وأدباء الأحساء، وربما المملكة، بالشللية. ما رأيك في ذلك، ومَن المسؤول عنه؟ - أنا ضد الأقنعة، ولذلك سمّيت كتابي الأخير «ومزقت قناعي»، وهذا العنوان رسالة لكل مَن يريد معرفة صلاح بن هندي ومنهجه، أما المتقنعون فأقول لهم كما تقول العرب: يكفي الكاذب ذلّة علمه أنه كاذب. أما مَن المسؤول، ففي ظني أنها التربية التي أقنعت هؤلاء أن الحياة تريد ذلك، وكان الواجب على الأديب والكاتب أن يصلح آراء الناس لا أن يوافقهم عليها، لكنني أعذرهم أحياناً حينما أدرك أن مخالفة السائد مريرة على نفسية الأفراد. * هل يعاني مجتمعنا السعودي من الازدواجية؟ وإلى أي حدّ أثر ذلك على الجانب الثقافي؟ - الازدواجية عندنا وعند غيرنا من المجتمعات، لكن لأن المجتمع السعودي ترقبه أعين كثيرة من الداخل والخارج، بحيث تنظر له بأنه مجتمع محافظ أكثر من اللازم، تزيد عنده هذه الازدواجية في أمور كثيرة، وتنسحب على الجانب الثقافي بشكل مرير، فهناك ازدواجية في تقييم الإبداع، فتتحكم به المناطقية والقبلية والطائفية، والمتضرر الوحيد هو المبدع الأصيل الذي يسعى إلى خدمة الإبداع، ورفع اسم الوطن في المحافل الدولية لا غير. * هل تعتقد أن الأندية الأدبية أدت دورها، وإلى أي حدّ أثر غياب الملتقيات واللقاءات الثقافية والأدبية على حقوق الأدباء في المملكة؟ - حضور الثقافة السعودية بدا واضحاً ومميزاً، بشهادة بعض الزملاء غير السعوديين. لكن هذا الحضور ناقص من جهة أن أغلب المبدعين الذين يمثلون المملكة هم من منطقة، أو منطقتين، من بلاد مترامية الأطراف (أدامها الله)، وكان من المفترض على المسؤولين عن الأندية الأدبية أن يخرجوا لنا وجوهاً جديدة غير الوجوه والأسماء التي أخذت نصيبها وأكثر. ولناحية ميزانيات الأندية، فهذا راجع لوزارة الثقافة، وهي أدرى، لكن لا نعلق كل سلبيات الأندية الأدبية على الميزانية، فهناك سلبيات تنخر في المشهد الثقافي، وعلى الأندية الأدبية تجنبها، مثل الشللية، وإقصاء وتجاهل المواهب والتجارب الحقيقية، وهذا في رأيي هو الأهم. * تعكف على إعداد ديوانك الشعري الثالث. هلا خصصت «الشرق» بأبيات من هذا الديوان؟ - عنون الديوان مبدئياً «كاشتياق الأمس»، وأخص «الشرق» بأبيات من قصيدة «هروب»: تعالي ننظم الأشواق ورداً/ نعلقه على صدر الحياة/ ونمشي فوق شط البحر لكن/ على مهل بأقدام حفاة/ ذراعي فوق كتفك في حنان/ ذراعك حول خصري في ثبات/ فتأتي الريح تدفعنا برفق/ كأنا زورقان بلا نواتي.