في الوقت الذي أثارت فيه بعض الدراسات والتوقعات المخاوف من ارتفاع معدل الاستهلاك المحلي للطاقة والبالغ نموه 8% سنويا، فإن الاكتشافات النفطية المعلنة وغير المعلنة في عدد من مناطق المملكة، تبدد كثيراً من هذه المخاوف، وتطمئن المستهلكين والأسواق العالمية على مستقبل هذه السلعة الاستراتيجية. ومن بين هذه الاكتشافات التي أعلنت رسميا من قبل وزارة البترول والثروة المعدنية، اكتشاف كميات من الغاز يمكن استغلالها تجاريا في منطقة البحر الأحمر والربع الخالي، إلا أنها لا تنوي بدء عمليات الإنتاج الفوري منها، بالإضافة إلى ما أعلنته شركة أرامكو السعودية منذ نحو ثلاث سنوات، عن اكتشاف خمسة حقول جديدة للزيت وثلاثة حقول جديدة للغاز في المنطقة الشرقية، وقرب إنتاج الغاز في عدد من الحقول، فضلا عن اكتشافات أخرى لم يعلن عنها بعد. بيد أن ما تعلنه مراكز الدراسات والأبحاث سواء المحلية أو العالمية لا ينبغي أن «يمر مرور الكرام»، ولاسيما أنها تتحدث عن سلعة قابلة للنضوب والاستنزاف، ومخزونها الاحتياطي الذي يتكون عبر مئات بل وآلاف السنين، محدود وغير قابل للزيادة، ومن هنا فإن ما ذكر بشأن احتمالية عجز المملكة عن التصدير خلال عقدين من الزمن، يجب التوقف أمامه ودراسته بمنتهى الجدية والإعلان عن نتائجه بكل شفافية ووضوح، ولاسيما أن النفط يعد «السند الرئيس» لميزانية الدولة -حسب ما أعلن وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف-، مضيفا «أن النفط يمثل أكثر من 90% من الموارد المالية للدولة وأن ذلك سيستمر». ومن هنا فإن هناك عدداً من الأطروحات التي يتعين على صانعي القرار التوقف أمامها والعمل على معالجتها بشكل جذري ونحن بصدد هذه القضية المصيرية، ومنها إعادة النظر في قضية دعم الطاقة الذي يستنزف حسب تقديرات معلنة نحو 130 مليار ريال سنويا، إذ إنه ليس من المعقول ولا من المقبول أن يحصل على الدعم من يستحق ومن لا يستحق، وقد يكون الحل في معادلة الأسعار المحلية بمثيلاتها العالمية كإجراء لوقف نمو الاستنزاف المحلي للطاقة، ورفع الدعم عن شركات البتروكيماويات التي تستهلك قرابة 2.5 مليون برميل من البترول يوميا، بسبب الأسعار الزهيدة التي يباع بها، ولاسيما لمؤسستي الكهرباء والتحلية.