مرت في حياتي لحظات اقتربت فيها من الموت. الأولى كانت في الانسمام الدموي والغشي. والثانية في القامشلي حين صدمتني سيارة وأنا على دراجة، فطرت في الهواء ثم هويت على فمي؛ فأصبحت قواطع أسناني الأمامية مشوهة على شكل حرف 8 ؛ حتى رقّعها لي صديقي الدكتور رياض الكردي بعد مرور نصف قرن. والثالثة كانت في المسجد الأموي والرصاص البعثي ينهمر علينا. يومها أدركنا أننا دخلنا حقبة جديدة من الرعب وضياع الحرمات والإنسان. تكوّمنا في ساحة المسجد الأموي مثل تلةٍ من الأجساد. كنت في الصف الجامعي الأول في كلية الطب. اعتقلت بعدها مدة 39 يوما، وكان الاعتقال الثاني في حياتي، ولم أدر أن ما ينتظرني أدهى وأمَر من جمهورية الصمت والبطالة والمخابرات. الأخطر كانت مشاعر الجريمة التي انتابتني وأنا لا أصدق. كانت الأولى مع رجل من القابون اتهم فاضلةً بالزنا، فضرب الدم في رأسي حتى شعرت أنه سيخ نار! مَن ألجمني عن جريمة كانت قد تغير مجرى حياتي، كان القرآن، الذي كنت اشتغل على حفظه. الثانية كانت جمراً ما زال في قلبي للمحقق يوسف طحطوح، الذي وقعت تحت يديه في اعتقالي الثالث، ورأت عيني أبعاد الجريمة. تمنيت أن يسعفني أحد، أين أصبحت أيامه مع اندلاع الثورة السورية؟ أما الثالثة، والأعجب، فكانت مع زميل مهنة أذاقني من الألم ما ترك أثره ندبةً في النفس لا تزول.