كثيرة هي الدعوات التي تلقيتها من جامعة جازان، بعضها لحضور أنشطة أدبية وفكرية وعلمية وبعضها الآخر لأكون ضيفا وأقدم نشاطا أدبيا مع عدد من الزملاء الأدباء والمثقفين، كان آخر هذه النشاطات عندما دعيت لإحياء أصبوحة شعرية في رحاب جامعة جازان، كانت الأصبوحة ضمن برنامج كبير حافل بالبرامج الأدبية والعلمية، تم إعداده بصورة رائعة كما تعودنا دائما من درة الجامعات، التي يعمل فيها كوكبة رائعة من الأكاديميين والطلاب، والعمل على استقطاب عدد من رموز الأدب والفكر بمناسبة احتفاء الجامعة باليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، لست بحاجة إلى مديح الإخوة الزملاء أحبابنا منسوبي الجامعة من الأساتذة الأكاديميين، ولست بحاجة إلى التذكير بتميز أبناء المنطقة المعروف عنهم في كل المجالات التي طرقوها فكرا وعلما وبحثا وأدبا، فكل جامعات المملكة تشهد بذلك التفوق، وكل ميادين العلم والعمل تشهد أيضا، لكنني بحاجة إلى أن أشهد للقائمين على المنجزات الحيوية في جامعة جازان، التي يديرها أساتذة أكفاء، بدءًا بمعالي مدير الجامعة الزميل الحبيب الأستاذ الدكتور محمد آل هيازع، وكوكبة النجوم الذين يعملون بقيادته، في مختلف الأقسام الفنية والإدارية، ولو سمح لي المقال لذكرتهم واحدا واحدا، لما يربطني بهم من زمالة وصداقة يمتد بعضها إلى أكثر من ربع قرن، تتمثل في وكيل الجامعة الدكتور حسن بن حجاب الحازمي، وعميد شؤون الطلاب الدكتور محمد حبيبي.. وعميد القبول والتسجيل الدكتور حسن إسحاق ونائبه الدكتور خالد ربيع، وغيرهم من الزملاء الذين يتسنمون هرم المناصب العليا في إدارة الجامعة، ناهيك عن عمداء الكليات المختلفة، الذين تربطني ببعضهم زمالة عمل وصداقة أدب، وهؤلاء المؤسسون فعلياً لعمل الجامعة منذ نشأتها حتى اليوم.عندما زُفّ إلى مسامعنا خبر ولادة الجامعة في جازان لم تسعنا الفرحة، وملأنا البر والبحر، سرورا وحبورا، مغسولا بالدموع، فحينها كنا نقول لقد طال أمد انتظارنا خصوصا عند الأجيال الثلاثة، جيلي والجيلين الذي قبلي والذي بعدي، هذه الأجيال المتعاقبة التي مارست حقوقها في طلب العلم في كل مكان وجدنا فيه قبولا جامعيا، فتنقل أبناء منطقة جازان بين جدة ومكة والرياض والشرقية ثم عسير، وأخيرا ولدت جامعة في جازان، واصطفت ضمن منظومة عقد الجامعات هدية سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، وكان الرهان على تفوق جامعة جازان لما نعرفه من تميز أدبي وعلمي وثقافي درج عليه أبناء هذه المنطقة، وخلال هذه الفترة القصيرة استطاعت الجامعة الوليدة أن تضاهي أكبر الجامعات في منجزها على الرغم من فارق العمر الزمني بينها.ضمن خطط الجامعة التي أعدتها لتحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها، فقد سعت الجامعة إلى ابتعاث عدد من طلابها إلى مختلف الجامعات والمعاهد والمراكز العلمية في عدد من دول العالم في الشرق والغرب، وكانت استراتيجية الابتعاث لإعداد كوكبة من أبناء الوطن للمساهمة في صناعة تاريخنا الحضاري والإنساني، والمشاركة في النمو العلمي والاقتصادي الذي تعيشه بلادنا الحبيبة.بعد الأصبوحة الشعرية قادنا مدير العلاقات العامة والإعلام الجامعي الدكتور إبراهيم النعمي، إلى صالة المعرض العلمي المصور الذي بهرني والضيوف الذين كانوا في معيتنا عندما وقف عند كل صورة يشرح لنا بزهو وفخر واعتزاز تميز عدد من أبناء الجامعة في المحافل العالمية، قائلا: (الابتعاث ليس مجرد فقاعة صابون، بل هو عمل استراتيجي حقق فيه أبناء جامعتنا ما يثلج الصدر).ليت المساحة تسمح لي لأذكر أسماء أبناء الجامعة المبتعثين الذين نالوا جوائز وشهادات تقدير وأوسمة وبراءات اختراع، وغيرها، وهم أهل لذلك ولكن عزائي أن الصحف المحلية والعالمية أشادت بهم وتحدثت عنهم في حينه، وكتبت التقارير الوافية عن إنجازاتهم وقدمت لهم الشكر على جهودهم العلمية، التي بذلوها، وخلدت أسماءهم في قائمة الإنجازات العالمية، فلهم مني التحية والتقدير، والاعتذار، ومازالت الجامعة تواصل الابتعاث، ومازال أبناؤها يحصدون الجوائز، ومازلنا نتابع باعتزاز هذه الإنجازات على مستوى البناء العقلي والفكري للطلاب.كنت قد كتبت مقالتي هذه بعد تلك الأصبوحة مباشرة، ولم أرسلها للنشر في حينه، وما دعاني إلى تجديدها، هو حضوري صبيحة يوم السبت 24 محرم 1434ه، للنشاط المعد بمناسبة شفاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي رعاه سمو أمير المنطقة بحضور كوكبة من رجال الفكر والثقافة والأدب ورجال الإعلام رؤساء تحرير الصحف، لم يفاجئني الحفل البهيج، المتمثل في روعة مقدم الحفل، وقصيدة شاعر شباب عكاظ إياد حكمي، فقد تعودنا على ذلك، ولم يفاجئني الحضور الضخم، فجازان في الشتاء محجة الزوار نظرا لأجوائها المعتدلة، ولم يدهشني الشاعر أحمد السيد بلوحاته الجميلة في أوبريت (يومنا الذهب) الذي أعده بهذه المناسبة، ولم يفاجئني أداء شباب الجامعة لهذه اللوحات المتنوعة فهم أهل لما يقدمونه، المدهش حقا هو المنجز على مستوى بناء كيان الجامعة الذي وصل إلى مراحل متقدمة، في فترة قياسية جدا، فلم يبقَ سوى المراحل النهائية وتتسلم إدارة الجامعة مشروعها التنموي العملاق الذي تم تصميمه على مساحة كبيرة تقدر بتسعة ملايين متر مربع، من القلب هنيئا لجازان بهذه الجامعة ورجالها المخلصين.