حائل – خضير الشريهي «الأسر المنتجة» مجرد شعار براق يستخدم في الملتقيات ووسائل الإعلام لكنه لم يحقق تطبيقات ناجحة. لا يمكن لكل الأسر الفقيرة أن تتحول إلى منتجة ل«البيز» و«السفيفة». حققنا أفضل أداء للمجالس التنسيقية في المملكة.. وهيئة تطوير حائل في حاجة لإعادة الهيكلة. تجار حائل عازفون عن دعم الجمعيات لأن «زامر الحي لا يطرب». تعليم المحتاجين كيف يصطادون رزقهم عجزت عنه صناديق الإقراض الحكومي. يرى الكاتب الصحفي عيسى الحليان الذي انبرى لمعالجة القضايا المحلية والاقتصادية بقلمه الرشيق، الذي خاض تجربة في العمل الخيري امتدت لعشرين عاماً استطاع فيها أن يترك جمعية حائل الخيرية، وقد قاربت استثماراتها وأصولها نصف مليار ريال، يرى أن تعليم المحتاجين -كيف يصطادون رزقهم- يواجه تحديات كبيرة عجزت عنها معاهد التدريب وصناديق الاقتراض الحكومي، وأكد خلال حوار أجرته معه «الشرق» أن تجار حائل عازفون عن دعم الجمعيات الخيرية في حائل لأن «زامر الحي لا يطرب»، كما يؤكد أن نسبة العمل التطوعي في السعودية تعد أقل النسب في العالم أجمع، ويرى أن دعم الأسر المنتجة والترويج لها ليس إلا شعارا، ويؤيد فكرة إعادة هيكلة الهيئة العليا لتطوير منطقة حائل، حمل هيئة الاستثمار العامة مسؤولية تعطل مدينة حائل الاقتصادية، وتطرق إلى عديد من القضايا الحائلية في ثنايا الحوار، التالي: * تنحيت قبل أشهر عن قيادة الجمعية الخيرية في حائل بعد عشرين عاما من توليك رئاسة مجلس إدارتها.. وخلفت وراءك كياناً اقتصادياً قادراً على القيام بأعماله من الاستثمارات المتعددة.. كم يبلغ حجم هذه الاستثمارات؟ وكيف تم تكوينها؟ الحمد لله فقد تركت الجمعية وقيمة الأصول والاستثمارات تقترب من 400 مليون ريال وبعد سنوات قليلة ومع استكمال المشروعات الحالية سوف ترتفع قيمة هذه الاستثمارات إلى نصف مليار ريال، وهو رقم كبير جداً بالنسبة لجمعية بهذا الحجم على الرغم من أن الجمعية كانت تنفق بسخاء على أكثر من 12 برنامجاً خيرياً في آن واحد. وتعد الجمعية في مقدمة جمعيات المملكة من حيث نصيب الاستثمارات إلى نسبة الإنفاق إن لم تكن الأولى، كما أن الجمعية من أبرز جمعيات المملكة في مسألة تحقيق معادلة الفرص الوظيفية مع حاجة المجتمع حيث إن الوظائف التي استحدثتها الجمعية في قطاع واحد فقط (قطاع التعليم) تقترب من 350 وظيفة، خلاف بقية القطاعات الأخرى . وللأمانة فهذه الاستثمارات ساهم في تكوينها رجال كثيرون خدموا الجمعية في مختلف دورات مجلس الإدارة مثل الدكتور رشيد العمرو ومحمد الراجح وغيرهم من الرجال المخلصين، وهي بالتالي لم تأت جراء عمل فردي قام به آخر رئيس لمجلس الإدارة أو غيره لكنها جهود جماعية وتراكمية بل إن للبركة والتوفيق دوراً كبيراً في ذلك. * يعاب على الجمعيات الخيرية أنها تكرس «التسول»، وتقوم في عملها عليه.. أليس من الأجدى أن تعلم المحتاجين كيف «يصطادون» رزقهم؟ ومتى تتخلص تلك الجمعيات من استجداء التبرعات في رأيك؟ هذه المقولة لا يمكن لأية جمعية أن تحققه وهي أطروحة مثالية، لا وجود لها على أرض الواقع ولا يمكن لأية جمعية في واقعنا المعاش أن تحققها مهما كانت مثاليتها، فالجمعيات غارقة في أعمالها الأساسية ولا يمكن للجمعيات في بنائها التنظيمي الحالي أن تتحول إلى مراكز تدريب أو مراكز للحرف المنتجة إضافة إلى أن هذا ليس دورها أصلاً فهي جمعيات خيرية عامة وليست جمعيات اجتماعية تخصصية إضافة إلى أن تعليم المحتاجين كيف يصطادون رزقهم كما ذكرت عمل له تحديات كبيرة وعجزت عنه معاهد التدريب وصناديق الاقتراض الحكومي فكيف بجمعيات ضعيفة بالكاد تلاحق متطلبات الفقراء والمحتاجين والأيتام أن تكون قادرة على التصدي له؟ ولكي أكون صريحاً معك أكثر فكل ما تسمعه من كلام في هذا المجال هو شعارات هدفها الأول إعلامي لكن لم تتحقق منجزات فعلية على أرض الواقع إلاّ في ما ندر. الجمعيات خط دفاع أمام الفقر والحاجة حيث يتوافق هذا الدور مع نظامها الأساسي وهو أخذ الزكوات من الناس، وتوزيعها على المحتاجين وفق مصارف الزكاة الشرعية، وهي بصراحة وبنمطيتها الحالية لا تستطيع أن تذهب بعيداً عن هذا الدور. * المتتبع لأسماء المتبرعين والداعمين لجمعية حائل الخيرية وخاصة خلال العام الماضي ومن خلال كتيب أصدرته الجمعية، يرى أن القائمة تخلو من تجار حائل.. لمَ هم عازفون عن التبرع في رأيك؟ التجار عازفون عن هذا الدور ومعظم إيرادات الجمعية الحالية تأتي إما عن طريق الموارد الذاتية أو من متبرعين من خارج المنطقة وفي اعتقادي أن السبب لا يخرج عن فكرة «زامر الحي لا يطرب» وبالتالي فهم وغيرهم يؤدون زكواتهم بطريقتهم الخاصة يداً بيد، وهو واحد من أسباب ازدواجية العطاء للمستفيدين. * يكثر الحديث في الجمعيات الخيرية عن العمل التطوعي، ومع ذلك كل من يعمل فيها يتقاضى أجراً، ألا ترى أن مفهوم العمل التطوعي مازال غائبا، والممارسة التي تحدث تحت هذا المفهوم مشوهة؟ أولاً العمل التطوعي بمفهومه الفلسفي الحقيقي غائب عن المجتمع إلاّ من خلال أفراد قلة، وإذا ما نسبتها إلى إجمالي السكان وجدتها من أقل النسب في العالم أجمع، وعندما نترك «الجعجعة» في المجالس جانباً ونأخذ المسألة بهدوء، فإن التطوع بمفهومه والمتعارف عليه لدى شعوب العالم الواسع لا يشمل العمل الخيري أو المادي فقط، فهذا مفهوم ضيق ونسف لمفهومه الواسع الذي يفترض أن يشمل كل أنشطة المجتمع المدني بتطبيقاته المعاصرة. * لم تفلح الجمعيات الخيرية في تسويق نتاج الأسر المنتجة، واقتصر دور الجمعيات على عرض تلك المنتجات وكأنها ديكور تتباهى به.. لماذا في رأيك؟ موضوع الأسر المنتجة لايزال مجرد شعار براق يستخدم في الملتقيات والمعارض ووسائل الإعلام لكنه لم يحقق تطبيقات ناجحة إلاّ فيما ندر لأسباب تتعلق بالتسويق من ناحية وعدم الرغبة في العمل من قبل معظم المستفيدين من ناحية أخرى، ولأنه لا يمكن لكل الأسر الفقيرة أن تتحول إلى أسر منتجة لصناعة «البيز» أو» السفيفة» كل الدول التي تزدهر فيها هذه الصناعات المحلية تقوم على الترويج السياحي وهذا غير موجود لدينا ولذلك فكل ما تسمعه حالياً أفكار ممتازة ليس لها موقع على الأرض، هناك جمعيات نجحت شكلاً وإعلاماً في هذا المجال لكنها لم تحقق الأهداف من وراء ذلك. * المجلس التنسيقي للجمعيات الخيرية.. هل أوجد للحد من استفادة المحتاجين من أكثر من جمعية؟ وهل تحققت أهدافه؟ تعلم بأن المجلس التنسيقي ليس له مقر مستقل، وليس له حساب ولا ميزانية ولا موظفون حسب اللائحة، كل العمل قائم على التطوع ابتداء من طاولة الاجتماعات وانتهاء بقيمة جائزة حائل للأعمال الخيرية التي يتولى المجلس تنظيمها ومع ذلك حقق المجلس أفضل أداء للمجالس التنسيقية في المملكة وهذا ليس ادعاء فقد حصلنا على جائزة الأمير محمد بن فهد للأعمال الخيرية كأول مجلس تنسيقي في المملكة يحصل على هذه الجائزة وأول مجلس يعتمد لائحته الأساسية.. إلخ والمجلس يقوم بأعمال التنسيق بين الجمعيات وآخر عمل قمنا به هو فتح صندوق ل»بنات الحليفة» اللائي توفين في الحادث الأليم واستطعنا جمع وتوزيع أكثر من مليون ريال في شهر رمضان المبارك. لكنني أعترف لك في الوقت نفسه بأن المجلس يعتريه بعض القصور في الأداء وأنه بالإمكان أفضل مما كان، ونحن حالياً في مرحلة مراجعة كاملة ووضع خطط واستراتيجيات جديدة. * أنت أحد أمناء الهيئة العليا لتطوير منطقة حائل، وهي في بداياتها تبنت خططا طموحة لتطوير المنطقة، ولكن المتابعين يرون أنها تراجعت، ولم يعد للأمناء دور.. في رأيك ما الذي تحتاجه هيئة تطوير حائل في هذا الوقت؟ الهيئة في الوقت الحاضر تقوم بالتركيز على موضوعها الرئيس وهو تطوير الأرض من خلال الشركة التي تم الاتفاق معها والتي أخذت بعض الوقت لأسباب تتعلق بتصاميم المخططات والبنية التحتية التي بدأت متأخرة لكن الهيئة قطعاً تحتاج إلى إعادة هيكلة ووضع خطط واستراتيجيات حسب متطلبات المرحلة المقبلة وهو موضع اهتمام رئيس وأعضاء مجلس الأمناء حاليا. * مدينة حائل الاقتصادية (مدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد) كثر الحديث عنها، ولم يخرج للنور سوى تصريحات لم تتحقق.. في رأيك من المسؤول عن تأخر قيام هذا المشروع الاقتصادي؟ وهل حائل مجدية اقتصاديا لقيام هذا المشروع؟ مدينة حائل الاقتصادية كان يفترض أن تكون قد قطعت شوطاً كبيراً فمازلت أسترجع التقارير الفضفاضة التي نشرت عند وضع حجر الأساس بأن المدينة ستولد آلاف فرص العمل وسوف تحقق عائدات سنوية بمليارات، وهو للأسف ما لم يتحقق حتى الآن. أما من المسؤول؟ فهذا من يبحث عنه الجميع، لكن المسألة في نظري معقدة بنفس مقاس عقدة التنمية الوطنية، فالتنمية منظومة واحدة لا يمكن فصل حلقاتها أما المسؤول المباشر فإني أعتقد بأن ذلك أمر تتحمله هيئة الاستثمار العامة لأنها هي منحت الامتياز للمستثمر وهو غير جاهز ودون خطط ولا برامج زمنية والمسؤولية الثانية تقع على الشركة التي حصلت على الامتياز، ولم تنفذ ما عليها، التي تتذرع حالياً بالسيولة لتأجيل قيام المدينة. * تكتب في الزميلة «عكاظ» منذ سنوات، ولكنك تبتعد عن النقد المباشر لبعض الجهات الحكومية وخاصة في حائل.. لماذا؟ كنت أكتب وأنتقد لكن بشكل متوازن وكثيراً ما تعرضت في نقدي لبعض جوانب القصور في تنمية المنطقة، لكنك تعلم بأن هذه الزاوية موجودة في صحيفة وطنية، وليست في صحيفة إقليمية، وبالتالي ينبغي أن نستشعر وطنيتنا على اعتبار أن صلاح الجزء هو من صلاح الكل، وليس العكس، وعلى الإنسان أن يتخلى عن منظوره الشخصي وحساباته الإقليمية في سبيل هدف أسمى حتى ولو كان على حساب إرضاء النفس أو الجماعة لتحقيق «مكاسب إقليمية» على حساب رسالة قد تكون أكبر وأعم نفعاً. * الاقتصاد لا يعترف إلا بالأرقام.. فهل ترى أن الكاتب في الشأن الاقتصادي قادر على طرح وجهة نظره للقارئ العادي دون أن يتخلى عن مهنته؟ لو آمنا بهذا الفكر لتحولت الأعمدة إلى «كانتونات» ودكاكين إقليمية وتراجع المشروع التنموي الوطني إلى مشروع إقليمي ضيق لا يخدم حتى المناطق نفسها. المشكلة أن القارئ العادي كما وصفته هو اليوم من يسيّر بعض الكتّاب على هواه، فمقالات بعض الكتاب غالباً ما تأتي باحثة عن رضا هذا القارئ بأي ثمن كان، وتحسب ألف حساب لردود أفعاله لأسباب للأسف تتعلق بالكاتب وليس الموضوع، وهنا ينقلب الهرم وهو مكمن الخطورة لأن البحث عن الشعبية الطاغية أفقد بعض الكتاب بوصلة الحقيقة، ولأن البحث عن الشعبية على حساب جوهر الحقيقة هو انحياز الكاتب لنفسه قبل أن يكون انحيازاً للقارئ العادي وهو ما يفسر انقياد بعض الكتاب للعامة حتى أصبح الوقوف في وجه المسؤول -حتى وإن كان على حق- يمثل قيمة المثالية الكتابية… لذا أنا أفرق بين تزلف الكاتب للقارئ وبين الرأي المجرد.. * كيف ترى ما يطرح في الصحافة ودورها الحالي؟ الزمن تجاوز الصحافة، والصحافة تاريخياً لم تقم بالدور المطلوب منها ولم يكن لها أي تأثير حقيقي على صناعة القرار في مختلف مراحل تاريخها فهي تابعة وليست متبوعة، على سبيل المثال لا تكاد تخلو صحيفة سعودية من تجربة مريرة منذ عشرين عاماً متصلة فماذا تغيّر؟ هذا مثال بسيط عن تأثير الصحافة الحقيقي اليوم، بدلاً من أن تتحدث الصحافة عن جوانب جوهرية وقضايا كبرى نحن في أمس الحاجة إلى فتح ملفاتها، كل أحاديث الصحافة تأتي كردود أفعال عما يجري في الشارع اليومي ليس إلاّ. هناك كتاب جيدون في الصحافة لكن أغلب الكتاب الجيدين هم خارج الصحافة حالياً. عيسى الحليان أثناء حديثه للشرق