تراجُع وزارة العمل عن نطاقات فيما يخص شركات النظافة وإخراجها من دائرة الألوان الصارمة يفتح تساؤلاً عريضاً حول نظام نطاقات برمته، قبل صدوره، وقبل تطبيقه، وقبل حتى وضع إطاره العام. التساؤل يحوم أكثر حول الذين وضعوا النطاقات بما انطوت عليها من تدرج. والغاية من التساؤل هي: هل كان واضعو شروط النظام يعلمون أن شركات النظافة لا يمكنها أن تطبق حتى عشر الحد الأدنى من المطلوب من الشركات الأخرى؟. هل يمكن لشركة نظافة أن توظف سعوديين في مهن لا يمكنهم الانخراط بها، على الأقل وفق المعطيات الحالية؟ ويبدو أن شركات النظافة ليست الوحيدة في السوق التي لن يمكنها توظيف سعوديين في مهن صعبة اجتماعياً، بل هناك شركات المقاولات الكثيرة التي يهرب السعوديون من العمل فيها عمّالاً وحرفيين صغاراً وكبارا لأسباب اجتماعية وعملية أيضاً. وشركات المقاولات تملأ السوق، ولديها من المشاريع ما لا يمكن استيعابه بعمالة سعودية. وهذا ما يشير إلى أن في «نطاقات» معايير وشروطاً غير واقعية، ولم تصدر عن فهم كافٍ لطبيعة المجتمع، ناهيك عن قصور في الإلمام بفلسفة النظام ذاته. يبدو أن واضعي «نطاقات» وضعوا أمام عيونهم كلمة «السعودة» هدفاً كبيراً وغاية نبيلة، وهذا جميل. ولكن الغايات النبيلة تحتاج إلى وسائل واقعية ومنسجمة مع طبيعة المشكلة من جميع نواحيها، وليس من باب واحد من أبوابها. السعودة مطلب وطني كبير، ولكن تطبيقها بأي شكل قد يكون ضد السعودة نفسها، وعلى المدى القصير أيضاً. كما أنه قد يعيق مشاريع وخدمات واحتياجات استناداً إلى أن شروط السعودية «النطاقية» تطلب سعودة وظائف لا يمكن للسعوديين شغلها. ومثلما ينطبق ذلك على شركات المقاولات الكبيرة، سواء في النظافة وغيرها، فإنه ينطبق أيضاً على المشاريع الصغيرة. تلك المشاريع التي تحاول البدء برؤوس أموال متواضعة وبالكاد تكفي لتشغيل فريق عمل صغير للانطلاق بالمشروع. ومساواة هذه النوعية من المنشآت بشركات تمتلك أصولاً ورؤوس أموال صامدة يشير إلى اختلال في المعيار. في كل الأحوال؛ فإن خروج شركات النظافة من نطاق «نطاقات» قد يضع وزارة العمل في مأزق أيضاً، وليس مأزقاً أدبياً فحسب. ذلك أنه يفتح السؤال من جديد: هل كانت «نطاقات» مشروعاً مدروساً بعناية كافية.؟