لا جديد فعلاً، فغزة كانت مجرد ضحية انتخابية إسرائيلية، كما كانت سوريا ضحية الانتخابات الأمريكية، فالتعالق بين ذهنية الدولة اليهودية وذهنية أمريكا تعالق أبدي، والعلاقة بين الدولتين علاقة استثنائية كما أشار روجيه جارودي ذات مرّة: «هذا التحريف للتاريخ، مع النتائج الدامية الناجمة عنه، سببها العلاقة الوثيقة والاستثنائية الأمريكية – الإسرائيلية، والتي تمت منذ بداية الخمسين عاماً التي انقضت، والتي بقلبها لميزان القوى جعلت من الولاياتالمتحدة، اليوم، مستعمرَة إسرائيلية». ولعل السر في صعوبة فهم هذه العلاقة هو كونها علاقة متغيرة، فمن الحذر التاريخي من اليهود لدى مؤسسي الولاياتالمتحدة إلى الدعم الكامل للقضية اليهودية: «هناك بين الآباء المؤسسين من كتب محذّراً من خطر اليهود على الدولة الجديدة، وطالب بمنعهم من دخولها»، وهو الموقف الذي تحوّل إلى تأييد ولاسيما بعد العدوان الثلاثي على مصر!، لهذا لم يكن من المستغرب أن تماثل الذهنية المؤسسة لدولة اليهود ذات العقلية الأمريكية القائمة على الإبادة، واستغلال الحروب المفتعلة لأغراض انتخابية، فقد اتضحت عقلية الإبادة اليهودية في أكثر من مائة وثلاثين مجزرة ضد العرب في فلسطين خلال 73 عاماً حتى الآن، بدءا من مجزرة حيفا سنة 1937، وليس انتهاء بالعدوان على غزة عام 2009، الذي يقول عنه الكاتب البريطاني باتريك سيل: «على رغم أن معظم العالم نظر إلى الحرب في غزة على أنها عمل إجرامي ضد مدنيين عزّل، فقد نتجت عنها موجة مغالاة في القومية في إسرائيل»، وهذا ما يشبه رغبة ربع الأمريكان في إلقاء مزيد من القنابل على اليابان قبل استسلامها في الحرب العالمية الثانية! ويضيف سيل: «أراد كثيرون أن يُستكمل الهجوم الضاري إلى أن يتم القضاء على حركة حماس ومحو قطاع غزة عن الخريطة». بل إن الدولة اليهودية أكثر تطرفاً وعنصرية من الولاياتالمتحدة لاتكائها في تبرير جرائمها على بعد ديني ينظر للآخرين على أنهم أغيار كما تقرر كتبهم المقدسة، وكما يشير فلاسفتهم ومن أبرزهم «بن ميمون» الذي يوصي في شرائعه: «بإبادة الكفرة»، وهي الوصية التي تأتي بهذا النّص: «من واجب المرء إبادتهم بأيديه»، وترد لفظة «التدمير» في الترجمة الإنجليزية لوصية بن ميمون: «من واجب المرء أن يتخذ إجراءات فعلية لتدميرهم»، وفي كتابه «دليل الحائرين»، الذي يعد من أكثر الكتب انتشاراً بين اليهود كما يذكر إسرائيل شحاك، يقرر أن: «بعض الأتراك (أي العنصر المغولي) والبدو في الشمال، والسود والبدو في الجنوب، وأولئك الذين يشبهونهم في أقاليمنا، فطبيعة هؤلاء البشر كمثل طبيعة الحيوانات البكماء، وهم بحسب رأيي، ليسوا في مستوى البشر، ومستواهم بين أشياء الوجود هو دون مستوى الإنسان، وأعلى من مستوى القرد، لأن لهم أكثر مما للقرد، صورة الإنسان والشبه له». لهذا ليس من المستغرب أن تتوافق الذهنية الأمريكية القائمة على أفعال الإبادة والاختطاف والسحق وقتل الأطفال وقطع آذان العدو، كما يفصل في ذلك روجيه جارودي في كتابه «الاستعمار الثقافي والصهيونية»، مع الذهنية اليهودية المؤسسة لدولة إسرائيل على أرض فلسطين، فالدولتان تمارسان الإرهاب بامتياز: «إن كل غزو أو عدوان استعماري هو مشروع باسم المدنية، أما مقاومة الشعوب المُستعمَرة والمضطهدة والمعرضة للإبادة فتحمل، وبلا هوادة، اسم الإرهاب». أما استخدام الحرب في الأغراض الانتخابية فيمكن تأمل الخطاب الأمريكي نحو قضية سوريا بعد انتهاء الانتخابات مباشرة، فمن الموقف السلبي الرافض لأي تدخل إلى موقف أكثر إيجابية من قبل أمريكا وحلفائها، الأمر كذلك في غزة، حتى وإن صرح رئيس دولة إسرائيل شمعون بيريس لموقع «إسرائيل بدون رقابة» حول العدوان الأخير على غزة بقوله: «لا أظن بأن الأسباب التي دعت للحملة سياسية أو تتعلق بالانتخابات. لا يوجد أي رجل سياسة في إسرائيل يخاطر بأبنائنا من أجل الحصول على مقعد في الكنيست. لقد خرجنا للحملة -ولم يكن أمامنا خيار آخر- من أجل حماية مواطنينا، كما لو كانت ستفعل أي دولة أخرى تحت تهديد إطلاق صواريخ. يجب أن نتذكر بأن إسرائيل لم تبادر إلى توقيت التصعيد الحالي. حماس، بشكل متواصل، ومع تجاهل علامات الإنذار والتحذير المتكررة، هي من صعدت إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وسمحت للمنظمات المختلفة أن تطلق النار والصواريخ على إسرائيل من داخل القطاع، وكأننا نتحدث عن غرب الولاياتالمتحدة في الزمن الغابر». إنّ ما يحدث في فلسطين اليوم حدث بالأمس في غزة وفي غيرها من بلاد الدنيا، كما سيحدث غداً برعاية أمريكية ويهودية من أجل فرض الهيمنة على العالم بفعل إبادة منهجي ومنظم، مع استخدام قذر للحروب، بصور وأشكال متعددة، لتحقيق مكاسب انتخابية، فدماء الأطفال وسيلة ناجعة لاستمالة الناخبين، وهي الوسيلة الأكثر وحشية في التاريخ والتي لا يستطيع أحد استخدامها بفاعلية سوى الأمريكان وربيبتهم دولة المسخ اليهودي.