لا زالت الحكومة الأمريكية صامتة على ما يحصل في غزة من اعتداء على المدنيين العزل وقتل وتدمير. ذكر الرئيس بوش أن "الاعتداء على غزة لن ينتهي قبل أن تتوقف صواريخ حماس"، وبطبيعة الحال نحن العرب وكل محب للإنسانية والعدل لايرى في هذا التصريح أي رؤية منصفة ولاشعورًا إنسانيًا. وتأييد الحرب والدمار ليست فكرة جديدة ولاغريبة على الرئيس الأمريكي بوش الذي خسر العالم بأسره تقريبًا جراء سياساته الحربية والعنيفة بل كذلك خسر شعبه. ولكن ماسر السلبية من قبل الحكومة الأمريكية الحالية رغم تعالي أصوات عدد كبير من الشعب الأمريكي للتنديد بالحرب؟ في موقع جي بلوق سنترال وهو منتدى يهودي مشهور كان الكثير من اليهود الأمريكيين المتعصبين لإسرائيل يرون أن المشكلة ليست بالهجمات الإسرائيلية بل بالتظاهرات العربية والإسلامية وغيرها التي اجتاحت العالم. أحدهم يقول إن المصيبة هي أن هذه التظاهرات وصلت لأمريكا وبدأنا نشاهد المسلمين في فلوريدا وهي البلد الأصلي الثاني لليهود وهم يرفعون لافتات تصور اليهود بأنهم قردة وخنازير! والبعض كان يشعر بالصدمة من صمت العالم تجاه دعوة المسلمين لإحراق اليهود وضربهم بالأسلحة النووية عقابًا لهم. وفي صحيفة جويش وييك - وهي أكثر صحيفة يهودية انتشارًا في أمريكا ومقرها مدينة نيويورك- كتب مراسل واشنطن السيد جيمس بسير (James D. Besser) مقالة عن حرب غزة بعنوان (Gaza War Surges As Questions Mount) يشرح فيها قلق المجتمع اليهودي الأمريكي ويهود إسرائيل من الرئيس الأمريكي القادم برّاك أوباما وأن شخصيات يهودية دبلوماسية وصحفيين يهود قاموا بالاتصال به وتذكيره بوعوده لهم أثناء حملته الانتخابية، كما نظم اليهود حملات ضغط مباشرة على أوباما منذ الآن حتى لا يحاول إيقاف مساعي إسرائيل لتدمير فلسطين. فعلى سبيل المثال تقوم الجماعات السياسية الداعمة لإسرائيل الآن بتحركات سريعة مثل اجتماع رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى (Conference of Presidents of Major American Jewish Organizations) والجمعية اليهودية للعلاقات العامة (Jewish Council for Public Affairs) فهاتان الجهتان تعملان لقاءات صحفية متكررة لشرح وجهة نظر إسرائيل في الحرب القائمة في غزة موضحين أنهم يقومون بذلك "دفاعا عن النفس" - وفق نظرهم - حتى تتوقف منظمة حماس عن إطلاق الصواريخ وترويع اليهود في إسرائيل. هذا إلى جانب أن السفارة الإسرائيلية في الولاياتالمتحدة تقوم بإرسال خطابات لمحطات التلفزيون المشهورة والسياسيين الأمريكيين المؤثرين حتى يدعموا الحرب ضد غزة. وهناك جماعات يهودية أخرى ركزت جهودها على التأثير في العالم وليس فقط داخل أمريكا. فقد قامت جماعة المشروع الإسرائيلي (The Israel Project (TIP)) بالتواصل مع 76000صحفي من 53دولة وحثهم على دعم إسرائيل. تقول رئيسة الجماعة السيدة جينفيز ليسزلوا (Jennifer Laszlo) بأنها غير قلقة تجاه أوباما وإنما هي خائفة بالفعل من الأوروبيين الذين لم يظهروا تعاطفًا واضحًا مع إسرائيل! وهذه الجماعة تروج لفكرة أن حرب لبنان في عام 2006كانت حربًا فاشلة لأن إسرائيل خسرت دعم العالم فأجبروها على إنهاء العملية قبل الوقت المناسب فلم تستطع أن تدمر حزب الله. لهذا، فاليهود المتعصبون يقومون الآن بحملة إعلامية وسياسية واسعة داخل أمريكا وخارجها حتى لاتكرر المشكلة مع حماس هذه المرة. وفي الصحيفة اليهودية (The Jewish Journal) تصريحات من المسؤولين الإسرائليين بأن أغلب ضحايا الحرب في غزة هم من مسلحي حماس لأن الحرب هي عملية موجهة بشكل دقيق. إذن، فإن التعتيم الإعلامي والتدليس وقلب الحقائق وشحن ضمائر الناس ضد العرب بشكل ينافي الحقيقة، إلى جانب استخدام المصالح والتهديد بها هي من طرق اليهود الإسرائيليين المتعصبين في دعم الحرب الإسرائيلية في غزة، وهي كذلك من أهم الأسباب التي تجعل الحكومة الأمريكية تتفرج على ما يحصل ولا ترى شيئًا من الواقع. إن الحرب لا تأخذ شكلا عسكريًا فحسب، بل تستند على واقع إعلامي وشعبي. وإن كان العرب يتعجبون من مشكلة الحكومة الأمريكية فإن الأمر هو أن الحملات اليهودية الإعلامية والسياسية لا تقلل من أي عمل في سبيل دعم الرسالة الإسرائيلية؛ فكل يهودي متطرف يستطيع أن يفعل شيئًا. وإذا وجدت هذه الأنشطة في مكان -مثل أمريكا- يكثر فيه الجهل في السياسة العالمية والتاريخ الإسلامي وثقافات الآخرين خصوصًا العرب فإن أي ضغط يقدم بصورة خطاب مدروس وبلهجة أمريكية متقنة وبأداء أصيل سيلقى قبولا واضحًا وسريعًا. لذلك فدعم السلام في غزة لايتوقف عند التبرعات المادية فحسب رغم أهميتها، بل يتعدى ذلك إلى التواصل المعرفي مع العالم وشرح ملابسات هذه القضية من خلال خطوات إعلامية تعرض وجهة نظر العرب وتقدّم الحقيقة بالصور تمامًا كما تشرحها الدماء والأشلاء.