من الحكمة أن بعث اللهُ تعالى إلى البشر أنبياءَ بشراً مثلهم، لهم مشاعر إنسانية، غير أنهم أفضل البشر جميعاً، بل وفضَّل اللهُ بعضهم على بعض، قال تعالى: “تلك الرُّسُلُ فضلنا بعضَهم على بعض”، والتفضيل هنا في الدرجة، قال تعالى: “منهم من كلمَ اللهُ ورفع بعضَهم درجات”. ولكي يكون هذا حقاً يدركه البشر، فإننا نلاحظ أن نوحاً -عليه السلام- لمّا لم يستجب له قومه بعد أن لبث فيهم ألفَ سنةٍ إلا خمسينَ عاما، دعا عليهم كاستجابةٍ لمطلب النفس البشرية، وإن كان -عليه السلام- من أولي العزم: قال تعالى: “وقالَ نوحٌ رَبِّ لا تذر على الأرضِ من الكافرين ديّارا”، وكذلك موسى -عليه السلام- بعد أن بلغ به تعنت اليهود مبلغا، دعا عليهم، قال تعالى: “ربنا اطمِسْ على أموالِهم واشدد على قلوبِهم فلا يؤمنوا حتى يَرَوُا العذابَ الأليمَ”، بينما عيسى -عليه السلام- اتخذ نهجاً آخر تجاه قومه، قال تعالى: “إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم”، أما رسولُ البشرِ جميعاً -محمد صلى الله عليه وسلم- بعد أن ناله من المشركين ما ناله، ناداه مَلكُ الجبال: “يا محمد إن الله قد سمع قولَ قومك لك، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين”. فقال عليه الصلاة والسلام: “بل أرجو أن يُخرِجَ اللهُ من أصلابهم من يعبدُ اللهَ وحدَهُ لا يُشرِكُ به شيئا”. إذن، لندرك أن الدعوة إلى الله وما تقتضيه من أوجه التعامل بين الرسل وأقوامهم كبشر، لم تكن بالأمر الهين، فكيف بها بيننا نحن حينما ندعو بعضنا بعضاً إلى دين الله وقد خلت الأرض من الأنبياء والرسل، بانتظار يوم الحساب!