زيدان خلف العنزي يعرف الطيف الإدراكي على أنه قدرة الاتصال اللاسلكي على التكيف وإدراك العوامل المحيطة والمؤثرة واختيار طريقة فاعلة وأكثر كفاءة لمواصلة الاتصال اللاسلكي. هذا يعني أن الطريقة المعروفة اليوم في فرض مجالات معينة ونطاقات خاصة لبعض الترددات قد تتغير جذرياً ويصبح الاتصال اللاسلكي حراً وقادراً على التكيف الذاتي والتلقائي. هذا لا يعني أن الطيف الإدراكي سيعمل بلا قواعد أو بطريقة عشوائية، ولكن الطيف الإدراكي سيكون قادراً على الاتصال اللاسلكي الحر تحت أي ظروف محيطة وتبعا للقواعد المبرمجة وبقدرة سريعة. يقوم أي جهاز لاسلكي يعمل بالطيف الإدراكي على التخاطب مع الشبكة وتحديد موقعه والقفز على أي تردد متاح وتكييف نفسه للاتصال اللاسلكي بما يتماشى مع هذا التردد والشبكة الموصلة في وقت سريع جداً. ويقوم هذا الجهاز بمراقبة الترددات الأخرى واستعمال أي منها طالما كان متاحاً ويوفر اتصالاً لاسلكياً حراً وعلى كفاءة وجودة عاليتين. بدأ الاهتمام بالطيف الترددي مع الدكتور جوسف ميتولا في رسالة الدكتوراة عام 1999 عندما وصف الفكرة على قدرة الأجهزة والشبكات اللاسلكية الذكية على معرفة إدارة الطيف الترددي والترددات وقدرتها الحسابية للكشف عن أفضل الطرق وملاءمة ظروف الاتصال اللاسلكي بما يحتاج المستخدم والتكيف التلقائي. كان يبدو أن الفكرة خيالية ولكن مع تطور تقنية الأجهزة للعمل بأداء متناهي السرعة وكفاءة في تنفيذ العمليات الحسابية الخاصة بالشبكات وبتكلفة مناسبة أصبحت الفكرة محور الاهتمام لدى كثير من هيئات الاتصالات الرائدة والمؤسسات العلمية التي تعنى بالبحث والتطوير. وذلك لوضع إطار لهذه التقنية في مجالات تشمل المجال العلمي وكيفية حل المشكلات المتعلقة بعمل هذه التقنية على مستوى الأجهزة وشبكات الاتصال اللاسلكي فيما يضمن عملها مع الأعداد الهائلة للمستخدمين وأيضا الجانب الخاص بالقوانين والإجراءات وتقديم نظام اقتصادي يشجع طرح الخدمات المختلفة وتحفيز الاستثمار في المشروعات الداعمة. الأنموذج المعمول به اليوم هو من خلال تحديد قطاعات محددة للطيف الترددي وترددات تستخدم لأغراض وخدمات خاصة لتفادي تداخل الموجات اللاسلكية. إلا أن بعض هذه الترددات تبقى غير مستخدمة لأوقات طويلة وفي أماكن متفرقة مما أعطى بعضهم تصوراً أن الطيف الترددي لا يكفي ولاسيما مع تجاوز أعداد المشتركين للأرقام المتوقعة وزيادة الطلب المستمر بمعدل مرتفع جداً. أوضحت كثير من الدراسات على قطاعات مختلفة من الطيف الترددي وفي أوقات متفرقة وأماكن في دول عديدة أن معدل استخدام الطيف الترددي قليلة قد تصل لأقل من 2% ببعض النطاقات بالمقابل هناك اختناق في الشبكات الخلوية أو الجوال. كان الحل في مزيد من الترددات وتفريغ بعض الترددات لسد الحاجة ولكن هذه العملية بطيئة ومعقدة وذات تكلفة عالية. لكن الحل الأمثل هو إيجاد تقنية قادرة على توزيع الترددات بشكل تلقائي بما يفي حاجة المستخدم من السرعة والسعة والقدرة على التنقل والجودة العالية. خلال السنتين الأخيرتين قامت هيئة الاتصالات الأمريكية بوضع تصورعام للسماح لهذه التقنية باستخدام المساحات البيضاء المرتبطة بالبث التليفزيوني الأرضي التي عادة ما تكون غير مستغلة لتقديم خدمات الإنترنت عالية السرعة للمناطق البعيدة. يعد هذا الحدث مثيراً للجدل وتحولاً غير مسبوق بتاريخ الاتصالات اللاسلكية وتوجهاً جديداً نحو اتصال لاسلكي حر مغاير للنمط المعمول به حالياً. هذا الاستخدام الجديد تتوقع له شركة مايكروسفت أن يجذب ما يقارب مائة مليار دولار على مر السنوات ال15 القادمة، وبالمقابل تصفه شركة جوجل بأنها تقنية الواي فاي المدعمة أو سوبر واي فاي حيث يمكن لهذه التقنية وباستخدام المساحات الترددية البيضاء تغطية مسافات واسعة يصل مداها لأكثر من خمسين كيلومترا وقادرة على النفاذ من خلال الجدران الصلبة مما يساعد في تقليل عدد النقاط الساخنة أو ما يعرف بال (Hot Spots) التي تقدم خدمات الإنترنت اللاسلكية عالية السرعة. قامت هيئة الاتصالات الأمريكية بتحديد طريقة بناء الشبكة الجديدة في خطوة متدرجة وإعداد مدروس لضمان إعطاء هذه التقنية فرصة للنمو ومن خلال ترخيص مجاني لمجموعة من الشركات إما لتوفير بنية تحتية للشبكة من خلال قاعدة بيانات تفاعلية على مستوى الولاياتالمتحدة مثل مايكروسفت وجوجل أو تشجيع الشركات التي تقدم الخدمة من خلال بيع الأجهزة والمعدات العاملة في ابتكار وتصميم حلول للاستثمارات التي تريد استخدام هذه التقنية. دول الخليج العربية من أكثر الدول التي يمكن أن تستفيد من هذه التقنية لأنها أصلاً لا تستخدم ترددات البث الأرضي التليفزيوني كما في دول أخرى لذا يمكن استخدام هذه التقنية لتوفير اتصالات لاسلكية وخدمات إنترنت عالية السرعة وبتكلفة أقل لكثير من المدارس والمؤسسات الحكومية والأماكن العامة. لذلك من المغري جداً أن تبدأ هذه الدول بأخذ زمام المبادرة في تسهيل استخدام هذه التقنية ولعلها تكون بداية عمل مشترك لبناء اتحاد اتصالات خليجي تحت مظلة واحدة ليعطي المنطقة وزناً ومساحة أعرض على خارطة الاتصالات اللاسلكية الدولية وتكون حاضنة لأحدث التقنيات ولعل التفاصيل تكون في مقال آخر.