إن دقة الصياغة القانونية لمواد أي قانون هي حقيقة انعكاس للفكرة الأولية وللمهنية التي وظفت في سبيل إخراج هذا القانون بصورته النهائية، فالأصل أن تتسم القاعدة القانونية المراد صياغتها بالشمولية للموضوع والسهولة والوضوح في المفردات والدقة في المعاني والمقاصد، وذلك لا يتأتى إلا من خلال الاستعانة بالكفاءات ذات الخبرة والمعرفة في علم القانون وأصوله.. فمن الأخطاء الشائعة التي تظهر نتيجة للاجتهاد في الصياغة القانونية، اختصار موضوع القانون في عدد محدود من المواد القانونية، ما ينعكس سلباً على الفكرة التي يتمحور القانون حولها وعلى تسلسلها المنطقي وسلاسة عرضها للمخاطبين بها.. أو استخدام المصطلحات الغامضة دون تقييد، كمصطلح (الجهات المعنية أو ذات العلاقة)، التي تجلب اللبس والغموض في تحديد مسؤوليات والتزامات الأطراف المعنية بتنفيذ النظام.. وأيضاً نجد أن بعض القوانين يغلب علي صياغتها منحى استخدام الجمل الطويلة بدلاً من القصيرة، ما يترتب عليه حشر أكثر من موضوع في مادة قانونية واحدة، وبالتالي تشتت الفكرة القانونية المراد صياغتها وضياعها.. وكذلك من الأخطاء الشائعة أن يضمن القانون المقترح رؤية إجرائية معينة فيكون فيه نوع من الخلط في القانون المقترح بين الأحكام الموضوعية التي يفترض أن تضمّن في ثنايا القانون الجديد، وبين الأحكام الإجرائية التي يفترض ترك أمر تفصيلها لأدوات قانونية أخرى. إن أهمية الاستعانة بالمختصين في الصياغة القانونية تكمن في معرفتهم آلية ومنهجية الصياغة، ومن ذلك مهارتهم في اكتشاف المواد القانونية المعيبة بسبب غموضها أو تناقضها، وبالتالي العمل على تصحيحها بداية كي لا يتسبب ذلك في مرحلة لاحقة من صدور القانون، أما البحث عن تفسير في غاية وقصد المشرع (المنظم) المعيبة أصلاً، أو السعي لتعديل القانون بعد صدوره مباشرة بآخر بسبب سوء الصياغة القانونية، وفي كلا الحالتين ذلك مدعاة لتعطيل المصالح وضياع الحقوق واستنزاف الجهود نتيجة للقرار غير الموفق في إسناد الصياغة القانونية للمتخصص بدلاً من المختص.