أكتب هذا المقال قبل ساعات قليلة من اجتياح إعصار «ساندي» الساحل الشرقي الأمريكي، الذي يهدد -حسب خبراء الأرصاد الجوية- بأمطار غزيرة ورياح عاتية وفيضانات عارمة وانقطاع الكهرباء (والإنترنت) قبل أسبوع من انتخابات الرئاسة في السادس من نوفمبر القادم، حيث ألغى كل من المرشح الجمهوري مت رومني ونائب الرئيس الأمريكي أوباما جو بايدن زيارتهما لولاية فرجينيا. خبير الطقس المخضرم برايان نوركروس وصف إعصار ساندي في مدونة على موقع للأرصاد بأنه «خطير مثل نوبة قلبية».. ويبدو أن آثاره السيئة المتوقعة أعادت للأذهان سحابة رماد بركان آيسلندا التي ملأت سماء أوروبا، وأسفر إلغاء رحلات الطيران مدة خمسة أيام عن خسائر في مجال الصناعة بلغت بليون دولار. ومن ثم نشط الحديث من جديد في وسائل الإعلام الأمريكية عن الظواهر الطبيعية والصدفة وقدرة العقل على التنبؤ بالأحداث والظواهر مستقبلاً، مع العودة من جديد لقراءة ما كتبه الفيلسوف والرياضي الأمريكي المعاصر كيث ديفيلين مؤلف كتاب (كوسمولوجيا جديدة للعقل) عن «ميلاد منطق جديد للعقل الإنساني»، لم تُعرف بعدُ ملامحه وقسماته وقواعده وآلياته بشكل كافٍ، وهو ما يبعث على القلق والحذر في تعاملنا مع المستقبل، على حد قوله. هذا الكتاب الصادر عام 1997 كان أشبه بالنبوءة التي حققت نفسها بنفسها، خاصة بعد زلزال 11 سبتمبر الرهيب عام 2001، ففي أحد فصوله المهمة يستعير المؤلف من لويس كارول في كتابه (أليس في بلاد العجائب) تشبيه عصرنا هذا ب»تكشيرة القطة».. أو قل هذا التنمر العدواني الكامن خلف الوداعة الخادعة للقطط، الذي يظهر بغته في لحظة لا نتوقعها، ويبقى أثره السيئ في مخيلتنا لبرهة، وحسب ديفلين فإن الجديد في عصرنا (عصر ثورة المعلومات والاتصالات) هو أننا سنرى دائماً هذه «التكشيرة» لكن دون أن نرى «القطة» أبداً.. ربما كان الفيلسوف الفرنسي المعاصر جاك دريدا هو أول من تبنى رأي ديفيلين وطوّره، ففي رأيه أن 11 سبتمبر «حدث» استطاع اجتياح المجال العام والحياة العامة، وقد نجح هذا الفعل في استحداث تاريخ مفصلي، والشيء الذي استحدث تاريخاً «هو دوماً الضربة الموجهة، فلقد استطاع هذا الحدث أن يكون حدثاً مؤثراً فريداً غير مسبوق» (ما الذي حدث في «حدث» 11 سبتمبر؟ ترجمة: صفاء فتحي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط1، 2003، ص – 51). إن ما أصيب، حسب دريدا: ليس ارتطام الطائرات ولا الأشخاص والمباني والهياكل المعمارية المدنية ذات الدلالة الاستراتيجية والرمزية معاً على النفوذ الرأسمالي السياسي والعسكري فحسب، بل إن ما أصيب من خلال كل ذلك هو ربما وفوق كل شيء ذات الآلة المفاهيمية (العقل) والدلالية التأملية التي كان من شأنها أن تتيح لنا أن نتنبأ بما حدث أو نفهمه، أو نقوم بتأويله ووصفه والتحدث عنه» (ص: 66). من المحلّلين النّفسيّين المعاصرين «دانيال سيبوني» الذي اهتم بمعالجة الأحداث والظّواهر الجديدة التي تفاجئنا كل يوم (بجدّتها)، أو بعودتها في أشكال جديدة، وأجمل رؤيته في كتاب ضخم، ثلاثة أجزاء، عنونه ب»أحداث».. والحدث برأيه هو الاصطدام الذي يحدث مع الواقع، أو هو هذا اللّقاء الصّادم مع الواقع، فإنّ الأحداث التي لا نتعجّب من وقوعها وإنّما من عدم تنبّئنا بوقوعها، تخفي في حقيقة الأمر ميلنا إلى أن نتوقّع حدوث «كلّ شيء» حتّى لا يحدث «شيء» فلا يحدث لنا «أيّ شيء». إعصار ساندي نبّه المتخصصين في «فلسفة العقل» – The philosophy of mind إلى أمر أساس، يتم تغافله أو تناسيه غالباً، لخّصه راي سواريز كبير مراسلي برنامج (نيوز أور) الإخباري، بقوله: «في اللحظة الراهنة، إن الطبيعة تذكّر البشر بأن الخطط والنظم والجداول ينبغي عليها في بعض الأحيان أن تفسح المجال لكوكب يسير حسب التوقيت الخاص به».. وهو قول قريب مما ذهب إليه سير جيمس: «إن الطبيعة تمقت الدقة والانضباط أكثر من أي شيء».