كما توقع الجميع، جاء العيد دموياً في سوريا، ولم تفلح الهدنة التي سعى بها المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيم لإيقاف النزيف الهادر على الأرض السورية ولو لأيام قليلة ربما يفلح المجتمع الدولي في البناء عليها لإيجاد تسوية سلمية تحفظ دماء الشعب السوري وتحقق في الوقت نفسه مطالبه المشروعة. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس أن 146 شخصاً على الأقل قتلوا في أعمال عنف وقعت في سوريا الجمعة (يوم العيد)، وهم حصيلة اليوم الأول من الهدنة! تلك الحصيلة لم تكن أقل عدداً من قتلى الأيام السابقة على العيد، وهذا يؤكد أن هدنة الإبراهيمي لم تكن إلاّ حبراً على ورق! الأيام المقبلة ستشهد بالطبع تحميل كل طرف للطرف الآخر بالمسؤولية عن اختراق الهدنة والسعي إلى استثمارها في تحقيق المزيد من المكاسب الدموية، والخاسر في النهاية هو الشعب السوري أيضاً. نحن الآن أمام معادلة شديدة الصعوبة: الجيش النظامي لن يكف عن سفك الدماء في محاولة مستمرة لوأد الثورة، والاحتفاظ بعرش السلطة لنظام الأسد، والجيش الحر لن يكف عن المقاومة لإعادة السلطة إلى الشعب، باعتباره المصدر الحقيقي لأي سلطة في أي بلد، فما العمل إذن؟! المجتمع الدولي مكبل بالفيتو الروسي والصيني ضد أي تدخل عسكري خارجي في سوريا، والفتات الذي يتم تسريبه إلى الجيش الحر من سلاح لا يوازي المساعدات العسكرية التي تتدفق على النظام السوري بما ينذر بطول عمر النظام، ومن ثم المزيد من دماء الأبرياء الواقعين بين سندان الجيش الحر ومطرقة النظام، ليتكرر السؤال: ما العمل إذن؟! بالتأكيد لا أحد يعرف إجابة عملية لهذا السؤال، وإلاّ ما تركت الدماء السورية تراق بهذا الشكل على مدى ما يقرب من عشرين شهراً. الاقتراح الأقرب إلى التنفيذ -برأيي- أن يضغط المجتمع الدولي باتجاه إجراء انتخابات رئاسية مبكرة بإشراف دولي كامل يضمن نزاهتها وشفافيتها ليقول الشعب السوري كلمته عبر صناديق الاقتراع، على أن تعلن روسيا والصين عدم اللجوء إلى الفيتو في حال تدخل النظام السوري لتزوير هذه الانتخابات، ليتخذ مجلس الأمن إن حدث هذا التدخل ما يراه من قرارات دولية تضمن إزاحة النظام ولو بالقوة. أعتقد أن اقتراحاً كهذا -وأعتقد أنه خيار صعب لدى الكثيرين- سيوافق عليه كل الأطراف داخل سوريا وخارجها، على الأقل من أجل حقن دماء الأبرياء.