أولا وأخيرا هو رأي، ما يملأ صفحات الجرائد والمجلات وما يشغل ساعات طوال من البرامج الحوارية وحتى الوثائقية أحيانا، لا يتعدى كونه رأيا، تتنوع الآراء ويرتفع سقف الحرية ويهبط على حسب المكان والزمان ليرينا أو يحمينا أحيانا من آراء قد تكون فاسدة وقد تكون ُمقوِّمة! نقرأ يوميا عشرات من الأراء عبر مقالات الرأي التي قد تحمل في طياتها من الغثّ والسمين، قد يكون ذلك واضحا وجليا، وقد يدس السّم في الدّسم في بعض المقالات، فترى المقال في مجمله تنويريا توعويا لكنه لا يخلو من شبهات وأفكار غير متفق عليها، تعرض على شكل حقائق وبلفظ آخر على شكل نظريات على رأي أحد الإعلاميين الكبار! القارئ تارة يكون واعيا «مركزا» مثقفا لا تفوته مثل هذه الأمور، ويكون تارة غرّا متحمسا لأي فكرة براقة جديدة، خصوصا إذا كانت ملفوفة بقماش براق تحت عنوان التطور والتقدم تارة، وتحت عنوان التدين والإيمان تارة أخرى، كل على حسب شاكلته. أن تقول رأيك في وسيلة إعلام مسموعة أو مقروءة يعني أنك تفكر بصوت عالٍ مسموع، وقد ُيتبع أو يُتبنى، وقد يُنتقد ويُحط به أسفل السافلين، وربما تُستهدف جراء ما تلفظت به أو كتبته! أن تعبّر عن رأيك بصوت عالٍ يعني أنك مستعد لمواجهة المجتمع ووسائل الإعلام والرأي العام أحيانا، وقد تكون ذا رأي صوته منخفض متدثر لا يسمعه إلا أنت وما هو إلا صدى لا غير! البعض يعبر عن نفسه في منتديات غير معروفة أو في مواقع التواصل الاجتماعي، إما تحت اسمه الحقيقي في بادرة تدل على الاستعداد لتحمل مسؤولية الرأي، أو تحت اسم مستعار في محاولة قد تكون ناجحة وقد تكون فاشلة للتخلص من عبء تحمل مسؤولية الرأي و تبعاته خصوصا إن كان عكس التيار أو مخالفا للأغلبية. ماهي حرية الرأي؟ ومن يقرر صحة أو خطأ هذا الرأي؟ وهل يعد مثل هذا التقييم للرأي، رأياً بحد ذاته؟ كلها أسئلة تشغلني وأنا أقرأ أو أكتب أي مقال «رأي»، أحيانا تكون مقالات الرأي انفعالية نتيجة حدث إقليمي أو محلي أثار حفيظة أصحاب الأقلام أو أصحاب المنابر، فتجد غالبية الصحف والمواقع الإلكترونية والبرامج الحية على التلفاز والراديو تتحدث عن ذات الحدث فإن كان حدثا إنسانيا كحريق في مدرسة أو كارثة بشرية، فإن السواد العام من المتحدثين والكتاب سيتفقون على رأي شبه واحد إلا ما شذ باختلاف التفاصيل، إلا أن الجوهر واحد ويصب في ذات الروح، لكن لو كان الرأي يخص حدثا سياسيا مثلا فإن الآراء تتباين تطرفا وتسامحا، وستجد المنظرين والمحللين ومدعي ذلك يتفننون ويبدعون في محاولة توجيه الرأي العام وإشباعه لا شعوريا أو شعوريا بالأفكارالتي يتبناها الإعلامي أو يتبناها ممولو هذا الإعلامي، لترتكب جريمة نكراء بحق المتابعين لأراء هؤلاء المنظرين أو الإعلاميين. أما الرأي المتعلق بالمسائل المتخصصة كالاقتصاد والصحة كعلوم تطبيقية فإن التشويش والتدليس يكاد يكون معدوما من ناحية النظريات أما من ناحية التسويق فلا يخلو من شك! التعبير عن الرأي في منبر معروف هو مسؤولية تحتاج إلى وعي ونزاهة وتوخ للصحة والإحساس العالي بالمسؤولية والمراقبة الذاتية قبل مراقبة الغير، لا يجب أن يكون المنبر الإعلامي بابا لتسويق الذات أو الفئة أو لجماعة معينة، أو أن يكون مكانا للانتقام المبطن لمواقف أكثر ما تكون شخصية وإن عرضت على أنها هموم أمة! التنظير هو من الجرائم الإعلامية كذلك، فلا يصح أن يستغل المنبر الإعلامي لبث آراء شخصية أو حزبية أو طائفية على شكل وهيئة نظريات ممحصة ومجربة ومدروسة، وكأنها حقائق متفق عليها، لا بد للإعلامي أن يكون نزيها ولا يغفل أن يضع أمام عينيه دائما أنه «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد» كما عبر القرآن الكريم في آياته الشريفة. ليس من الخطأ أن نبدي رأينا في غير تخصصنا الدقيق إذا ما تحرينا وتحققنا من جميع ما يلزم لإبداء رأي في قضية ما، فلا بأس أن يبدي الطبيب رأيه في مستوى المطارات على سبيل المثال، لكن يجب عليه أن يلم بكل المعطيات الخاصة بهذه القضية حتى لا يكون ممن يصح فيه: من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب !