تناقلت وكالات الأنباء، نبأ إصابة الطالبة الباكستانية (ملالا يوسف زاي) التي تبلغ من العمر 14 عاماً، جرَّأء محاولة اغتيالها، بعد أن تعرضت لإطلاق نار في الرأس من مجهولين أثناء خروجها من مدرستها، شمال غربي باكستان. ولقد صرح مسؤول باسم (طالبان): «إن الفتاة التي ترقد فاقدةً الوعي كانت تنتقد (طالبان) والجهاد، ولذلك استهدفناها.. إنه تحذير لكل مَن يحاول تقليدها ورفع صوته ضدنا». وكانت باكستان قد منحت (ملالا) جائزة السلام الوطني، تقديراً لكفاحها من أجل حق الفتيات في التعلم، الذي تمنعه حركة (طالبان) منذ سيطرتها على وادي (سوات) شمال غربي باكستان. كما تم ترشيحها لجائزة السلام الدولية للأطفال. (انتهى). قد يمر هذا الخبر مرور الكرام على كثيرين، نظراً لكثرة أحداث القتل والإجرام والاعتداءات في عالمنا الإسلامي. وقد تموت الفتاة دون أن تتم معاقبة الجناة. وهذا هو الشأن في عديدٍ من مناطق العالم التي تفتقد أمن الدولة، وتتقاسمها حروب العصابات، ونعرات الإثنيات التي لا تعترف بسلطة القانون ولا بشرعية حياة الآخرين. فما الذي اقترفته هذه الفتاة – التي كرّمتها باكستان – لتستحق عليه القتل ؟! هل يوجد على الأرض مَن ينكر حق المرأة في التعليم ؟ وهل بإمكان هذه الفتاة الغضة أن تثير عصبية قوافل (طالبان) وتدفعهم ليحكموا عليها بالموت لأنها اتخذت موقفاً شريفاً تُكرِّم فيه بنات جنسها؟ حتى وإن كان انتقاداً لتصرفات غوغائية متخلفة ينكرها العقل والمنطق، لتستقر رصاصات في جسدها وتكون – كما قالوا – «عبرة للآخرين»!. تُذكرني هذه الحادثة بما قامت به حركة (طالبان) عام 2001 عندما قصفت التماثيل في مدينة ( باميان) بالدبابات، ما اعتُبر انتهاكاً للتراث الإنساني. وقامت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسسيكو) بالتنديد بهذا العمل حينها. كما أعلنت عدة هيئات دولية وإنسانية استنكارها للعمل المشين الذي قامت به حركة (طالبان). كما أعلن مفتي مصر (نصر واصل) تحفظه على قرار حركة (طالبان) بتدمير تلك التماثيل. نحن ندرك أن الطبيعة لها دور في تشكيل عقل وفكرالإنسان. وكلما زادت من قسوتها عليه؛ زاد هو الآخر من قسوته على الآخرين ولربما على نفسه. وهذا ما يمكن أن يقوده إلى التطرف في كل شيء. وهو في هذه الحالة لا يمكن أن يقيس تصرفاته بميزان القانون أو القيم، لأن الطبيعة لا تؤهله لذلك. كما يلعب الجهل دوراً مهماً في تشكيل تصرفات وسلوكيات هؤلاء القوم. ولكن مهما يكن من أهميةٍ لذلك، فإن هذا العصر لا يؤمن بالقتل، ولا بشريعة الغاب، كما أنه لا يؤمن بأن يكون القاضي هو الجلاد في آن واحد!. كما أن الطفلة لم تستخدم العنف ولم تدع إليه، بل قامت بما يرتضيه العقل والمنطق ألا وهو تعليم المرأة، كي تأخذ دورها في المجتمع، وهو ما قد يكون (فريضة) على المسلم. لن أُفتي هنا، لكنني أنظر للموضوع من وجهة نظر فائدته للمجتمع، ومن وجهة نظر أن التعليم يزيل الجهل، ويُوجِد الإنسان الواعي الذي يستطيع أن يتعامل مع الحياة، ويكون ذا فائدة للمجتمع وعنصرا خيّرا فيه. إن القوم الذين تسكنهم « شهوة» الموت، ويتفننون في صناعته، وتغلب عليهم قسوة القلب وغلظته، لا يمكن أن يتصالحوا مع العالم الذي يسعى أفراده إلى الكرامة والسعادة والأمان. كما أن هؤلاء القوم لا يريدون الخروج من كهوف التاريخ الباردة، ليمارسوا حياتهم الطبيعية، وينعموا بما أنعم الله عليهم من خيرات ومُيسّرات للحياة الناجحة. ويريدون أن تستمر قدور الجهل في طبخ أجساد أبنائهم كي يقدموها في الولائم للضيوف الجشعين الجائعين. كما أنهم لا يريدون للمرأة التعلم وإنما البقاء في المطبخ والمضجع. ويرون أن تعليم المرأة سوف يخرجها من «طوق» الرجل، وقد ترفع صوتها مطالبةً بتصحيح أخطائه ومواقفه منها. وهنا تسقط «هيبة» الرجل، تماماً كما كان العهد في الجاهلية عندما كان الأب يتخلص من ابنته بدفنها حية، حتى لا تجلب له العار، كما كان يعتقد. فكرة صناعة الموت عند هؤلاء فكرة سهلة، وتنفيذها أسهل. ولا فرق لديهم بين نحر خروف أو دجاجة أو طفل!. وهذه الفكرة قد استحوذت على كثيرٍ ممن يعيشون خارج هذا الزمن، تطمرهم العداوات العرقية، وتلعب بهم الثارات القبلية، ويعشقون الغارات العدائية، وثقافة أكل القوي للضعيف. وفي مناخٍ كهذا تسقط القيم المؤيدة لكرامة الإنسان، وتُخترق كل القوانين، وتسمو شريعة الغاب. نحن نحترم دور الطالبة (ملالا) وندعو لها بالشفاء، كي تواصل دورها في خدمة مجتمعها. وندعو الهيئات الدولية المختصة لتأييدها، ورفع المعاناة عن كل صاحب قضية إنسانية عادلة. وهذه رسالة مهمة لكل الذين يحاولون إضاءة الطريق بإيقاد الشموع مهما كانت واهنة.