حذر خبراء مصريون من أن السلم الاجتماعي في مصر أصبح على المحك بعد تحول حالة الاحتقان بين مختلف القوى السياسية إلى مواجهات عنف واسعة في الشارع، واصفين اشتباكات ميدان التحرير الجمعة ب»خط فاصل في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير». وشَهِدَ محيط ميدان التحرير أمس الأول اشتباكات عنيفة بين أنصار الإخوان المسلمين والقوى السياسية المدنية، أسفرت عن سقوط 143 مصاباً حسبما أفادت وزارة الصحة المصرية. وتعد اشتباكات الجمعة أول اشتباكات عنف واسعة من نوعها بين الإخوان المسلمين والقوى الثورية، والثانية بعد مناوشات الذكرى الأولى للثورة في يناير الماضي، التي اشتعلت بسبب الهتاف الشهير للثوار «بيع بيع بيع.. الثورة يا بديع»، في انتقادٍ للمواقف السياسية للإخوان ومرشدهم الدكتور محمد بديع. وألقى المدير التنفيذي لمركز الأندلس للتسامح ومناهضة العنف محسن كمال، بالمسؤولية على جماعة الإخوان المسلمين، قائلاً ل»الشرق»: «وصول الإخوان للحكم جعلهم ينسون أن هناك معارضة، شعارهم ليس (أن نحكم جميعاً) لكن (أنا أو الآخرون).. وهو ما يشكل خطراً حقيقياً على السلم الأهلي». وتابع كمال، بينما ألقى نظرة من شباك مكتبه على ميدان التحرير، «نظام مبارك لم يكن لديه ذراع سياسي شعبي، كان لديه ذراع أمني.. لذا فالصراع كان بين الدولة والمتظاهرين، أما الآن فالصراع بين المتظاهرين والمتظاهرين». ورأى كمال أن الوضع الحالي يوجِد خللاً أمنياً أكبر وأخطر لأنه سيقضي على فكرة التظاهرات السلمية ويدفع الجميع لحمل السلاح لحماية أنفسهم. وحذر كمال عبر «الشرق» المسؤولين كافة في مصر من أن السلم الأهلي في خطر شديد وعلى المحك، قائلاً «السلم الأهلي في خطر لأن أحداً من قادة القوى السياسية لم يستنكر أو يدين ما حدث من لجوء للعنف.. وهو ما يعني ضمنياً أن العنف مقبول ويعدّ وسيلة لحل الخلافات السياسية». وأثبتت أحداث التحرير أن الاحتقان الكبير بين أتباع القوى السياسية علي الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي تم نقله بسهولة لعنف واسع في الشارع، كما أثبتت أن الصراع خرج عن السيطرة، وأن أحداً لا يمكنه ردع أو تهدئة المتشددين من الطرفين. ورأت مدرسة العلوم السياسية في كلية الاقتصاد في جامعة القاهرة الدكتورة مي مجيب، أن اشتباكات أمس الأول حد فاصل في مرحلة ما بعد الثورة، قائلة ل»الشرق»: «أصبحت المواجهات على المكشوف الآن، بين طرف إسلامي وطرف ثوري، وهو ما يعني ضمنياً أن الطرف الإسلامي غير ثوري، وأن شعارات الثورة والنهضة التي رفعها أبداً لم تكن حقيقية». ولفتت مجيب إلى خطورة وجود تنظيم قوي ومنظم وربما مسلح أيضاً خلف رئيس الجمهورية، ما يهدد بإشعال الأمور كلما زادت الاعتراضات، قائلة «هذه المعطيات على الأرض تجعل مزيداً من الدماء تسيل». وقالت مجيب «الآن هناك طرفان في الشارع ولكلٍّ أهدافه وآلياته»، وهو ما قالت إنه يشكل خطراً حقيقياً على السلام الاجتماعي، خاصة مع استمرار حالة المعاناة الاقتصادية ومعدلات الفقر والاضطرابات الفئوية والحنق العام لدى المواطنين. وأشارت مجيب إلى أن استمرار الوضع على ما هو عليه يمكن أن يتطور لأزمة كبرى بين الأغنياء والفقراء أو المسلمين والمسيحيين. من جانبها، أعلنت 14 حركة وحزباً سياسياً تحميل جماعة الإخوان المسؤولية الكاملة عن أحداث العنف في ميدان التحرير، ودعت الرئيس مرسي إلى فتح تحقيق فوري وعاجل ومحاسبة المسؤولين عن تلك الأحداث بشكل فوري. وأضافت القوى الثورية، في بيان لها أعلنته خلال المؤتمر الصحفي أمس، أنها لن تفرط أبداً في مطلب القصاص العادل لحق الشهداء، وأنه إذا كان الحزب الحاكم قد حاول بالأمس تشويه صورة المظاهرات والمسيرات السلمية، فإن الأحزاب اليوم تعلن تمسكها الكامل بسلمية الثورة. يأتي هذا فيما نشرت مجموعة أطلقت على نفسها «جماعة المشاغبين» أحد الفيديوهات الخاصة بها وهي تقوم بحرق سيارتين للأمن المركزي، كانتا موجودتين في مدخل شارع طلعت حرب في ميدان التحرير قبل عدة أيام. وقالت «المشاغبين» في الفيديو إنها تهدف لاستكمال أهداف الثورة، وإنها تقف ضد جماعة الإخوان المسلمين ووزير الداخلية اللواء أحمد جمال الدين، وإن عملية أمس جاءت برقم «صفر»، على أن تقوم بعمليات أخرى في الأيام المقبلة، ولم يتم التأكد من مسؤولية «المشاغبين» عن حرق حافلتين للإخوان المسلمين في ميدان التحرير مساء الجمعة. صراعات قوى الثورة (جرافيك الشرق)