مرافقة كتاب قيّم أمر أشبه بالوقوع في مصيدة، لا تتحرر منها إلا حين تنتهي من صفحاته، وهو ما يتزامن في أحيان نادرة بلقاء شخص جديد سيستبدل بك! يوقظنا لمفهوم الاختلاف، ذاك الذي تؤمن به دواخلنا العميقة، كفكرة مشرقة لا يطمرها سوى تراب التلقين على مدى سنوات، ليخلق منا بشراً متعصبين لما نحمله من فكر، ننظر إلى الآخر المختلف بريبة وفوقية. ليس كتاباً واحداً ما أنهى ذلك الكابوس، إنّما مجموعة كتب تختص بدراسة الأديان والبحث في الروحانية، والتعمق في جمالية الاختلاف والتنوع. كتب تعود بأصول الإنسان إلى ملايين سحيقة من السنوات، وتنظر في نشوء الخلق ومبادئ الفكر الأولى والتطوّر. كتب تبحث في جذور الدين والتراكمات المخلفة لما نشهده اليوم من توجهات اجتماعية مروّعة. (وجهني معلّم روحي لكتاب أيقظني من حيرة البحث ليجيب على تساؤلات طالما شغلتني من قبل: من نحن؟ وكيف أصبحنا على ما نحن عليه الآن؟ وما الذي يصنع اختلافنا؟) (البعد الروحي لتساعية الشخصيّات: تسعة وجوه للروح) للفنانة والكاتبة الأمريكية (ساندرا مايتري)، بحث قديم تناولته القلّة، قرأته باللغة الإنجليزية لعدم وجود ترجمة عربية، وهو كتاب يقسم الكائن البشري إلى تسع شخصيات فقط. أدهشني ذلك في البدء، لكن مع استكمال القراءة بدا لي كل شيء منطقياً. لا يهم من أين جئت وفي أي بيئة ترعرعت، وبأي أفكار قد تم حشو عقلك. إنها قصة السقوط من نقاوة الروح إلى شوائب مادية العالم، وكل المُثل والكمال الذي يُفقد على مراحل حتى يغيب كلياً عند عمر السابعة، وتظل الروح توّاقة لأصلها وللعودة إلى نبعها. وتصنف الشخصيات المادية بحسب ما تفتقده أكثر من غيرها من صفات الروح الصافية، وبطريقتها الخاصة للعودة إليها. ثمّة تفاصيل توضح الاختلاف بكيفية التعاطي مع أمور حياتنا، والتشابه بين الشخصيات التي تتحلّى بصفات معينة تقع ضمن واحدة من التساعيات، رغم اختلاف جذورها وتفاصيل حياتها، حيث يتناول كل شخصية منذ لحظة التقائها بنور الحياة وكيفية تطورها. ما الذي يحرّكها، وما ينقصها، وما تتوق إلى تحقيقه دون وعي منها بذلك. من خلال قراءتي أيضاً، اكتشفتُ أين ترتيبي في تلك التساعية، وأي شخصيات أثّرت عليّ، وفهمتُ مسببات بعض الخلافات، وتعرّفت إلى شخصيات بعض من الأصدقاء والأقارب معمّقاً فهمي لنا جميعاً. عرفتُ ما وجّه أيًّا منا لاتخاذ موقف مختلف حيال ظرف ما، كيفية التصرف بشكل مغاير تجاه كل حدث. تباين طرائق تفكيرنا ونظرتنا إلى الأمور يفسّر ماهياتنا. ليس القصد هنا هو تصنيف البعض على أنه متواضع أو مغرور، كريم أو بخيل. بل الغور أعمق في كينونته للتعرّف إلى ما يدفعه ليبدو مغروراً دون أن يدرك السبب الحقيقي لذلك، وما يسوقه ليظهر بخيلاً دون وعي منه، وهل المتواضع هو حقاً كذلك أم أن هناك ما يتوق لتحقيقه من خلال تلك الصفة دون أن يعلم؟ إنّه كتاب ساعدني على فهم نفسي أكثر، وفهم من هُم حولي، وغيّر نظرتي إلى الآخرين عبر تغذيتها بكثير من التعاطف معهم، والفهم لكل تصرفاتهم وتوجهاتهم. إنّه كتاب يساعد على العبور نحو الأفضل والصفح والمغفرة.