فاجأني أحد الشباب الصغار بمعلومة تاريخية مهمة لم أسمع بها من قبل في كل حياتي، برغم زعمي أنني قارئ جيد للتاريخ. لكن كما قيل في أمثالنا الشعبية «من كبرها تعرف إنها كذبة»، وذلك عندما قال إن اليهود هم من قتلوا الزعيم الألماني أدولف هتلر!. وعندما سألته عن مصدر تلك المعلومة، أحالني لفيلم سينمائي أمريكي اسمه (Inglourious Basterds)! وبعد مشاهدة الفيلم خرجت منزعجاً لأقصى مدى من مقدار التشويه الذي يمكن أن تمارسه السينما، ومن خطورة اعتبارها مصدراً للمعلومة، ومن عدم قدرة البعض على التفريق بين السينما كفن ومتعة، يجلس الواحد ليريح عقله، ويسمح لنفسه بأن يتسلى بعض الوقت، وأن يقبل القصص الخرافية والأساطير الإغريقية والبطولات المزعومة للشرطي الذي يهزم المجرمين بلكمة واحدة، وبين أن يتحول الفن إلى مصدر للمعلومة والفكر والمواقف الجوهرية، التي يتبناها الإنسان في حياته ويعيش بها. هذا خطير جداً. عند عودتي لمشاهدتي ذلك الفيلم، وجدت أن أحداث القصة تدور في فرنسا تحت الاحتلال الألماني أثناء الحرب العالمية الثانية (1939- 1945) وأن فريقاً من الجنود اليهود – الأمريكان قد اتحدوا مع يهودية فرنسية للتنكيل بالألمان وقتلهم بطريقة بشعة، الهدف منها بث الرعب في صفوفهم، خوفاً من اليهودي الفارس الشجاع!، ويتحدث الفيلم عن الصراع بين هتلر واليهود في ذلك الوقت، حتى في مجال السينما، ويسخر من فيلم ألماني يصور بطولات جندي ألماني، من خلال القول إن ذلك الفيلم هو محاولة لهزيمة اليهود في صنعتهم «السينما» ويقرر هكذا صراحة أن السينما لليهود، وأنها من منتجاتهم التي لا تجوز منافستهم فيها. وتنتهي أحداث الفيلم بتفجير دار للسينما كان يجلس فيه هتلر وضباطه أثناء مشاهدتهم لذلك الفيلم عن بطولات الجندي الألماني، مقرراً بذلك هزيمة النازيين على كل الأصعدة! كل مؤرخي العالم يعلمون أن أدولف هتلر مات منتحراً هو وزوجته إيفا براون، كراهية أن يرى وجوه أعدائه بعد استيلائهم على برلين، وتفضيلاً للموت على مرارة الذل الذي كان سيأتي مع أسره. إننا ما زلنا أمام فيلم يهودي لا يريد أن ينتهي، مستمر في تشويه كل شيء وتزييف للتأريخ. إنها أكاذيب اليهود التي تسري في الناس كما تسري النار في الهشيم. ولم لا يكذبون وهم يعلمون أن الشعب الأمريكي هو أكثر شعوب الأرض جهلاً بما يحدث خارج أمريكا؟! إنهم يعلمون أن الأمريكيين لا يعرفون إلا العمل، وما بقي من وقت فهو للتلفزيون والسينما، وهي بلا شك وسيلة أساسية للمعرفة بالنسبة لهم، وأن الذين يقرأون نسبة قليلة، وأكثر هؤلاء الذي يمسكون الكتب في الأماكن العامة، يمسكون كتب القصص البوليسية التي ستتحول إلى أفلام سينمائية فيما بعد. لعل الأمريكيين أعرف بمشكلاتهم مني، لكن ما يهمني بدرجة أولى هم شبابنا الذين أخشى أن يتحولوا لصدى يكرر ما يسمعه ويشاهده في مثل هذه الأفلام السينمائية المزيفة للتاريخ، وقد رأينا منها الكثير، تصف العرب والمسلمين بأنهم ليسوا سوى إرهابيين كارهين للسلام والديمقراطية، مجرد بدو يسكنون في الصحراء، وبجوار خيمة كل واحد منهم، بئر بترول وألف جارية وقلوب متعطشة للدماء. هذه الصورة التي يراد تكريسها عنا، مهمة جداً، فإنسان بالمواصفات السابقة، لا يمكن التعاطف معه بحال من الأحوال، وبلا شك أنها خففت الوطء على ضمير الجندي الأمريكي، وهو يقوم بعمليات القتل في العراق، فهل سنتحول إلى مقلد لهم ومعجب بآرائهم، حتى فيما يتعلق بنا وبقضايانا؟! لقد ابتلعوا عراق هارون الرشيد ونحن ننظر، بسبب دعاواهم الكاذبة وإعلامهم الأبعد عن النزاهة، وها هم اليوم يخرجون جنودهم منه، بعد أن تحول النظام إلى فوضى غير خلاقة، تاركين مهمة ابتلاع العراق للإيرانيين، تاركين كردستان العراق ذات حكم منفصل وذات علاقة ممتازة مع إسرائيل، وها هي الشركات الإسرائيلية تسرح وتمرح هناك، فهل سيصدق شبابنا أن أمريكا جاءت لتقوم بدور البطل هناك؟! الإعلام لعبة خطيرة جداً، ويمكنه أن يسقط حكومات ويرفع مكانها حكومات، وبإمكانه بكل يسر وسهولة أن يزيف التاريخ، وأن يزيف الوعي وأن يقلب الحق باطلاً والباطل حقاً، ولا أعتقد أنه يسوغ للإنسان المعاصر أن يبقى جاهلاً بهذا العالم الذي يسمى الإعلام، الوعي هو ما يحفظ الإنسان، الوعي عندما يكون سلسلة من المعارف المرتبطة ببعضها هو الحل، وبدون مثل هذا الوعي ليس لنا فرصة.